الجمعة 3 أيار 2024

تقارير وتحقيقات

تآكل شاطئ بحر غزة.. ظاهرة مُقلقة تُهدد متنفس المحاصرين


النهار الاخباريه وكالات

مناطق أثرية مهددة بحدوث انهيارات والمباني المُقامة على طول الشاطئ مهددة بالتشقق والسقوط، وثمة ضرورة لوجود حماية عاجلة بردم بعض المناطق بالصخور لكسر حدة الأمواج وتخفيف تأثيرها
ينظر المسؤولون في قطاع غزة بقلق إلى ظاهرة تآكل مساحة شاطئ البحر؛ بفعل عوامل مناخية وأنشطة بشرية متمثلة بإنشاء موانئ بحرية، وسط مخاوف من حدوث انهيارات في الأبنية المجاورة وغرق المناطق القريبة منه.

فقبل عقود كان عرض شاطئ بحر قطاع غزة، يصل إلى نحو 50 متراً، الأمر الذي كان يوفّر للسكان مساحة واسعة للاستجمام وقضاء أوقات الإجازات الصيفية.

لكن مع مرور الوقت بدأ الشاطئ بالتآكل، فيما اختفت الرمال تدريجياً في مناطق واسعة، حتى باتت أمواج البحر تصل إلى الأرصفة، وتهدد البنى التحتية والمباني المحاذية.
ومع المخاطر الحقيقية التي بدأت تترتب على ظاهرة "تآكل الشاطئ"، فقد السكان الذين تُحاصرهم إسرائيل لأكثر من 15 عاماً وتُقيّد حريتهم في السفر، جانباً ترفيهياً كبيراً.

هذا التآكل حدث، بحسب مسؤولين فلسطينيين، نتيجة التعرية الناجمة عن التغيرات المناخية والعواصف والارتفاع العالمي في منسوب مياه البحر والأنشطة البشرية التي تم خلالها إنشاء موانئ على طول الساحل.
وتتزايد التخوفات من تفاقم ظاهرة تآكل الشاطئ، في ظل انعدام القدرة على معالجة

المشكلة بشكل جذري، بسبب انعدام وجود التمويل، ومنع إسرائيل إدخال المواد والآليات اللازمة لذلك.

يقول يحيى السراج، رئيس اتحاد بلديات قطاع غزة: إن شاطئ البحر يعدّ "المتنفس الوحيد لسكان القطاع، بسبب الحصار (الإسرائيلي) المُشدد المفروض عليهم، وجرّاء الكثافة السكانية العالية التي تتسبب بنقص الأراضي".

ويشير السراج في حديثه للنهار الاخباريه  إلى أن "ساحل البحر يُشكّل منطقة مهمة لا بد من الاهتمام بها ورعايتها والعمل على تطويرها بشكل مستمر".
ويوضح أن "العواصف القوية والسريعة وارتفاع أمواج البحر، تتسبب بجرف العديد من المناطق الشاطئية، حتّى وصل البحر في بعض المناطق إلى رصيف الكورنيش".

ويحذر من عدة مخاطر تترتب على استمرار تضاؤل شواطئ بحر قطاع غزة، لمسافات كبيرة.

ويبين السراج أن "بعض المناطق مهددة بحدوث انهيارات في بُناها التحتية كما أن بعض الفنادق والاستراحات والمباني المُقامة على طول الشاطئ مهددة بالتشقق والسقوط".

ويضيف أن بعض المناطق الأثرية قرب شاطئ غزة مثل "موقع البلاخية الأثري" (شمال)، مهددة أيضاً وهناك تخوفات 
من أن يجرفها البحر ما يترتب عليه فقدان الكثير من الآثار.

وتقلّص عرض الشاطئ، بحسب السراج، من 50 متراً، إلى 10- 15 متراً في بعض المناطق، على مدار عقود ماضية، بينما وصلت إلى "صفر" متر في مناطق أُخرى.

ويؤكد رئيس الاتحاد، أن هذه الظاهرة تؤثر أيضا على البنى التحتية، لافتاً إلى أن "القرية السويدية (جنوب)، كانت معرّضة للغرق على مدار العاميْن السابقيْن، وتمت حمايتها بصعوبة".

ويتابع: "أيضا مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، تأثر بشكل كبير بهذه الظاهرة، وتعرضت خطوط تصريف مياه الأمطار والصرف الصحي للانهيار".

 حاجة للتمويل

وعن دور البلديات في معالجة آثار الظاهرة، يقول السراج إن "هذه الظاهرة باتت تزيد من أعباء طواقم البلديات، خاصة في فصل الشتاء، وفي ظل الظروف الصعبة التي نعاني منها".

ويلفت إلى أن البلديات تساعد في المعالجة من خلال "عرض الأفكار اللازمة للتدخلات العاجلة، وعبر المساندة ببعض الآليات الموجودة لديها؛ على الرغم من أنها قديمة ومتهالكة".

ويشدد السراج على ضرورة وجود حماية عاجلة واستراتيجية، بردم بعض المناطق بالصخور الضخمة لكسر حدة الأمواج وتخفيف تأثيرها.

ويشير إلى أن هذه الحماية تتطلب "وجود تمويل مالي كبير، ومساندة من خبراء بالخارج، وإدخال الصخور الضخمة والتي تحول إسرائيل دون تحقيق ذلك".

وتفرض إسرائيل منذ عام 2006 حصاراً على قطاع غزة الذي يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني،

وتمنع إدخال الكثير من المواد إلى القطاع عبر المعابر.

** ظاهرة قديمة
بدوره، يقول بهاء الدين الأغا، مدير عام حماية البيئة، في سلطة المياه وجودة البيئة، إن ظاهرة تآكل الشاطئ ظهرت منذ بداية سبعينات القرن الماضي، بالتزامن مع إنشاء ميناء غزة.

ويوضح، في حديثه النهار الاخباريه  أن "وجود الموانئ في بحر القطاع، تسببت بتآكل الرمال الواقعة على شمالها، وترسيب الرمال في المنطقة الجنوبية منها، بالتزامن   مع التغيرات المناخية، العالمية، التي تسبب ظروف جوية حادة، أسهمت في مفاقمة ظاهرة التآكل".

ويضيف الأغا أن "التغيرات المناخية الحادة، وتحديداً هطول كميات كبيرة من الأمطار في فترة قصيرة، والتي تسبب في بعض الأحيان سيول وانهيارات في الجرف الساحلي، والارتفاع العالمي لمستوى سطح البحر والمحيطات تؤثر على تآكل الشاطئ".

وينوه إلى أن التآكل يحدث "بصورة متسارعة وبوتيرة كبيرة، ما يتسبب بفقدان عدة أمتار من الشاطئ بشكل سنوي، وآلاف الأمتار المكعّبة من الرمال على الشاطئ".
وتأثر بحر قطاع غزة بثلاثة موانئ، بحسب الأغا، الذي أشار إلى أن الميناء الأول بمدينة غزة ويتسبب بتآكل في شاطئ شمال القطاع ومخيم الشاطئ.

وأما الميناء الثاني، فيقع وسط القطاع، ويتسبب بتآكل شاطئ بحر مدينة دير البلح.

والميناء الثالث مقام في الجانب المصري، على بعد نحو كيلو مترين، من الحدود الفلسطينية المصرية البحرية، ويتسبب بتآكل شاطئ مدينة رفح، وفق قوله.

مساهمات للمعالجه


وعن المساهمات لمعالجة الظاهرة، قال الأغا إن جهات حكومية ودولية وضعت حمايات مؤقتة للمنطقة الشاطئية المُتأثرة، إلا أنها تآكلت هي أيضا مع مرور الوقت.

وأشار إلى أن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وضعت حمايات على شاطئ مخيم الشاطئ للاجئين، لكنه تآكل مع مرور الزمن، موضحاً أن "البحر يتجاوز المدعّمات الأولية ويتواصل بالمد مهدداً المزيد من المناطق".
وأضاف الأغا أن اللجنة الحكومية (تديرها حركة حماس) وضعت مكعّبات إسمنتية في عدة مناطق مثل "مدينتي رفح وغزة، ووسط القطاع"، لكسر الأمواج.
وأوضح أن "التدخلات لا تعالج المشكلة وذلك لضعف الإمكانيات المتاحة"، لافتاً إلى أن "معالجتها تحتاج إلى تدخل هندسي كبير بمعدات وآليات ثقيلة، من خلال إنشاء كواسر أمواج مستعرضة على طول الشاطئ، وبأعماق كبيرة تصل إلى 100 متر".
وبحسبه، رفعت لجنة حكومية برئاسة وزارة الأشغال العامة والإسكان، وعضوية سلطة جودة البيئة، طلباً إلى جهات مانحة مثل الاتحاد الأوروبي وأونروا، و برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، لتمويل مشروع بتكلفة 12-15 مليون دولار، يحل مشكلة التآكل بشكل كامل.

ونوه الأغا إلى عدم وجود استجابة، حتى هذه اللحظة، من تلك الجهات، على تمويل المشروع.

وفي ظل إصدار تقارير عن منظمة Climate Central (وكالة أنباء غير ربحية مختصة بقضايا التغيّر

المناخي، تضم علماء وصحفيين علميين)، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عن مدن مُهددة بالغرق عام 2030، من بينها مدن عربية، قال الأغا: إن الدراسات لم تشر أن القطاع من بينها.
ووصف ظاهرة تآكل الشاطئ بالخطيرة، وتسبب فقدان الكثير من الأراضي على طول المناطق المُلاصقة للشاطئ.