السبت 20 نيسان 2024

قصة مكاسب لقاح ”فايزر” المذهلة التي حدثت لأول مرة في التاريخ


النهار الاخباريه وكالات 

قالت صحيفة Financial Times البريطانية، في تقرير نشرته الأربعاء 1 ديسمبر/كانون الأول 2021، إن ألبرت بورلا الرئيس التنفيذي لشركة فايزر، أصبح الأكثر جذباً للأضواء في العالم، بسبب كورونا الذي ضرب العالم ودور شركته في صناعة لقاح يساعد في تقليل آثار هذا الفيروس.

نظراً إلى أن اللقاحات سمحت لبعض البلدان بإعادة فتح اقتصاداتها خلال الصيف، سافَرَ الرجل إلى مدينة كورنوال الكندية لحضور قمة مجموعة السبع في يونيو/حزيران 2021، وأوقَفَ طائرته الخاصة، بجوار طائرة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون

ترحيب ياباني برئيس "فايزر"
بعد أسابيع، رحَّبَ به رئيس الوزراء الياباني آنذاك يوشيهيدي سوجا، في الأولمبياد، وهي المرة الأولى التي تستضيف فيها دار ضيافة الدولة في قصر أكاساكا رئيساً تنفيذياً لشركة. وفي سبتمبر/أيلول 2021، كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يصف ألبرت، البالغ من العمر 59 عاماً، بأنه "صديقٌ مُقرَّب" له. 

مَنَحَت الفاعلية المُذهِلة للقاح فيروس كوفيد-19 من شركة فايزر، الشركة المفتاح لإنقاذ الأرواح والاقتصادات. تقدِّر منظمة الصحة العالمية أن ما يصل إلى نصف مليون شخص آخرين كانوا سيموتون في عام 2021 بأوروبا وحدها لولا لقاحات الفيروس. 

عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية، ناشَدَ قادة العالم بورلا الحصول على طلباتٍ للقاح، وفي بعض الحالات كان ذلك على أمل أن ينقذ مناصبهم السياسية. وفي مواجهة معركةٍ انتخابية خسرها في نهاية المطاف، تصدَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، قائمة المتصلين، إذ اتَّصَل به 30 مرة. 

انتشار كبير للفيروس
لكن في الوقت الذي كان فيه السياسيون الغربيون يتعاملون مع بورلا، أصبح القادة في العديد من البلدان الفقيرة غاضبين، إذ انتشر الفيروس بين سكَّانهم غير المُحصَّنين باللقاح. يقول سترايف ماسييوا، الملياردير الزيمبابوي الذي ينسِّق فريق اللقاحات في الاتحاد الإفريقي: "لقد تُرِكنا ندخل في الماء… حتى نغرق". 
في أواخر عام 2020، أقنع ماسييوا شركة فايزر بتزويد إفريقيا بمليوني جرعة أوَّلية؛ للمساعدة في تطعيم بعض العاملين بمجال الرعاية الصحية، الذين يُقدَّر عددهم بخمسة ملايين عامل في القارة. وكان ينتظر بفارغ الصبر مسودة العقد. 

قال ماسييوا: "ظلوا يقولون: الأسبوع المقبل، ثم وصلنا إلى أبريل/نيسان". وفي مايو/أيار، شَهَدَ ماسييوا الاتحاد الأوروبي يبرم عقداً ضخماً يصل إلى 1.8 مليار جرعة. وكَتَبَ "احتجاجاً شديد اللهجة" إلى بورلا، سأل فيه عن سبب التأخير. وتلقوا في النهاية بعض الجرعات من مبادرةٍ تديرها إدارة بايدن. 

أدَّت الجائحة إلى توسُّعٍ هائلٍ في قوة الدولة؛ من الحرب في السياسة الاقتصادية إلى إجبار الناس على البقاء في منازلهم. ولكن عندما يتعلَّق الأمر بالحلول الطبية للجائحة، كانت الحكومات تعتمد بشكلٍ شبه كاملٍ على الشركات الخاصة. 

أحدَثَ اللقاح تحوُّلاً في التأثير السياسي لشركة فايزر. في يوليو/تموز 2018، اضطر سلف بورلا في الرئاسة التنفيذية لـ"فايزر" إلى التخلِّي عن ارتفاع الأسعار بعد أن وَصَمَه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بالعار على منصة تويتر. ولسنواتٍ من الزمن، كان أشهر منتجٍ للشركة هو الفياغرا لعلاج ضعف الانتصاب. 

الآن، تقف شركة الأدوية الأمريكية وراء المنتج الصيدلاني الذي سجَّلَ رقماً قياسياً بالمبيعات في عامٍ واحد. وتتوقَّع شركة فايزر أن تصل مبيعات اللقاح إلى 36 مليار دولار في عام 2021، وهو على الأقل ضعف مبيعات أقرب منافسيها، شركة موديرنا. أما قدرة شركة فايزر على توسيع الإنتاج بشكلٍ كبير، فقد جعلتها إلى حدٍّ بعيدٍ صانع اللقاحات الأكثر سيطرةً على الإطلاق. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، حصلت الشركة على 80% من حصة السوق للقاحات فيروس كوفيد-19 في الاتحاد الأوروبي، و74% في الولايات المتحدة. 

تشكيل مسار الجائحة 
منذ الموافقة على اللقاح في نهاية 2020 ساعدت قرارات شركة فايزر في تشكيل مسار الجائحة. ولديها القدرة على تحديد الأسعار، واختيار الدولة التي تأتي أولاً في نظام قائمة انتظارٍ مُبهَم، وضمن ذلك البرامج الداعمة التي تسعى الدول الغنية الآن إلى تسريعها. 

اعتماداً على قراراتها، يمكن للبلدان والمناطق، وحتى القارات، أن تفتح اقتصاداتها أو تخاطر بالتخلُّف في سباق السيطرة على الفيروس. ورغم زيادة إمدادات اللقاحات إلى البلدان الفقيرة منذ سبتمبر/أيلول 2021، فإن التفاوتات العالمية صارخة. وحتى الآن، تلقَّى 66% من الأشخاص الذين يعيشون في دول مجموعة السبع جرعتين من اللقاح، ويبلغ هؤلاء في إفريقيا 6% فقط. أما عدد الأشخاص في البلدان مرتفعة الدخل الذين تلقوا جرعاتٍ مُعزَّزة، فيقارب ضعف عددهم في البلدان منخفضة الدخل الذين تلقوا الجرعتين الأولى والثانية. 

لقد أبرز ظهور متحوِّر أوميكرون، الذي يُحتَمَل أن يكون خطيراً، خطورة هذا التوزيع غير المتكافئ للقاح. ورغم أن أصل المتحوِّر لايزال غير واضح، حذَّرَ العلماء منذ فترةٍ طويلة، من احتمال ظهور مُتحوِّرات جديدة إذا ظلَّت أجزاءٌ كبيرة من العالم غير مُحصَّنة من الفيروس. يقول سيث بيركلي، الرئيس التنفيذي لـGavi، تحالف اللقاحات المدعوم من الأمم المتحدة: "لا أحد في مأمنٍ حتى يصبح الجميع آمنين"

عدم كشف المعلومات 
تتعامل الشركة مع طريقتها في استخدام قوتها المُكتَشَفة حديثاً، وكذلك مع ما تخطِّط للقيام به بعد ذلك، على أنها أمرٌ سريٌّ للغاية، حيث تقوم الشركة بشطب أجزاءٍ كبيرة من العقود، وتلزم العلماء المستقلين باتفاقيات عدم الإفصاح. 

لم يوافق أيُّ مسؤولٍ تنفيذي لشركة فايزر على إجراء مقابلةٍ بخصوص هذه القصة. وبدلاً من ذلك، ردَّت الشركة من خلال متحدِّثٍ رسمي قال إن شركة فايزر "فخورةٌ للغاية" بإنجازها. وقال المتحدِّث: "مع تسليم أكثر من ملياري جرعة حتى الآن، أنقذ لقاحنا ملايين الأرواح في جميع أنحاء العالم". 

تحدَّثَت صحيفة Financial Times البريطانية إلى أكثر من 60 شخصاً مشاركاً في عملية اللقاح، من ضمنهم موظَّفو فايزر الحاليون والسابقون والمسؤولون الحكوميون في جميع أنحاء العالم؛ لرفع الحجاب عن الطريقة التي استخدمتها الشركة، التي ساهمت كثيراً في إنقاذ العالم من كوفيد-19، لضمان أن هذا العمل مُربِحٌ أيضاً. إنهم جميعاً مُمتنون للقاحٍ آمنٍ وفعَّال. لكن كثيرين يتساءلون عمَّا إذا كان ميزان القوى قد انحرف كثيراً لصالح شركة فايزر. 

يقول لورانس جوستين، أستاذ قانون الصحة العالمي في جامعة جورج تاون، إن شركة فايزر وصانعي اللقاحات الآخرين كانوا "يتَّسمون بالحِدَّة" في المفاوضات، لأن السياسيين كانوا متردِّدين في الرد. 

أضاف جوستين: "أنا لست ضد شركات الأدوية الكبرى… أعتقد أنهم صنعوا معجزةً وحقَّقوا انتصاراً علمياً". وتابع مستدركاً: "لكن القول بأنهم يمارسون سلطتهم بشكلٍ عادل، ومنفتح، مع شعورٍ بالتعاطف، أمرٌ غير صحيح بشكلٍ واضح". 

شركات دواء رائدة 
كان اللقاح الذي يجري بورلا مكالماتٍ هاتفية مع قادة العالم حوله، قد اختُرِعَ بالفعل في مختبرات شركة بيونتيك، وهي شركة رائدة في مدينة ماينز الألمانية على نهر الراين. 

في أواخر يناير/كانون الثاني 2020، شَهَدَ الرئيس التنفيذي لشركة بيونتيك، أوغور شاهين، فيروس كوفيد-19 في الصين. وخوفاً من أن يتسبَّب ذلك في فوضى عالمية، قام شاهين، وهو مهاجرٌ تركي إلى ألمانيا كان من أوائل المؤمنين بتكنولوجيا الحمض النووي الريبوزي المرسال، بتجميع موارد شركة بيونتيك للاستثمار في اكتشاف اللقاح. 

لكن، مثل شركة موديرنا، لم يكن لدى شركة بيونتيك منتجاتٍ معتَمَدة، وبالتالي لا مبيعات ولا أرباح. وكان على شاهين أن يبحث عن شريكٍ لديه الأموال التي يحتاجها. 
كانت محطته الأولى هي شركة فايزر، لأنهم عملوا معاً بالفعل. في المرة الأولى التي طرح فيها شاهين فكرة الاستثمار في لقاحه، تردَّد المسؤولون التنفيذيون بشركة فايزر في البداية. ولكن في مارس/آذار 2021، عندما ضربت الجائحة أجنحة المستشفيات حول مقر شركة فايزر في مانهاتن، أعلنت الشركتان تدشين التعاون فيما بينهما. 

مثلما قال مسؤولٌ حكومي أمريكي سابق مشارك في شراء اللقاح، فإنه "ليس حتى لقاحهم". أما أنه يُعرَف الآن عالمياً باسم لقاح فايزر، فهذا "أكبر انقلابٍ تسويقي في تاريخ المستحضرات الصيدلانية الأمريكية". 

عكس شركتي أسترازينيكا وجونسون آند جونسون، لم تفكِّر شركة فايزر قط في بيع لقاح كوفيد-19 دون تحقيق ربح. احتاجت شركة بيونتيك إلى كسب المال من أول منتجٍ لها للعودة إلى العمل. تجني شركة بيونتيك نصف الأرباح، لكن شركة فايزر كانت تتحكَّم في تسويق اللقاح بكلِّ دولةٍ، باستثناء الأراضي الأصلية للمؤسِّسين في ألمانيا وتركيا والصين، حيث وقَّعَت شركة بيونتيك بالفعل صفقةً مع شركة فوصن فارما


بينما حصلت شركة بيونتيك على تمويلٍ يصل إلى 375 مليون يورو من الحكومة الألمانية لتطوير اللقاح، رفضت شركة فايزر أموال الحكومة الأمريكية؛ حتى تتمكَّن من الحفاظ على السيطرة الكاملة على اللقاح، وضمن ذلك المسألة الحاسمة للتسعير. 

مفاوضات مع الحكومة الأمريكية 
لذلك عندما فتحت شركة فايزر المفاوضات مع الحكومة الأمريكية في أوائل صيف 2020، اتَّخَذَت موقفاً لا هوادة فيه، إذ طلبت الشركة 100 دولار للجرعة، وفقاً لأشخاصٍ مُطَّلِعين



كان بورلا "يعمل بشكلٍ مثيرٍ للدهشة"، وفقاً لمسؤولٍ سابقٍ في إدارة ترامب، وكان "مشاركاً بشكلٍ شخصي" في المناقشات مع الأشخاص بالحكومة، وضمن ذلك في البيت الأبيض. 

كانت الإدارة قد عيَّنَت منصف السلاوي لتأمين اللقاحات. وبصفته أحد المُخضرَمين في شركة غلاكسو سميث كين، لم يكن معادياً للصناعة بالطبع، وكان يعرف مخاطر تطوير اللقاح. ولكنه صُدِمَ، لأن شركة فايزر طلبت مثل هذا السعر الباهظ. تصاعدت الأمور في المفاوضات، ويقول السلاوي إنه حذَّر بورلا من أن الشركة ستبدو كأنها تحاول الاستفادة من "جائحةٍ تحدث مرةً في القرن

اتَّهَمَ مسؤولٌ حكومي يشارك في المفاوضات شركة فايزر بـ"محاولة اللعب بقوةٍ خلال فترة الطوارئ الوطنية". 

لم ترد شركة فايزر على أسئلةٍ حول إستراتيجية التسعير الخاصة بها في الولايات المتحدة. لكن مديراً تنفيذياً بالشركة، كان حاضراً في ذلك الوقت، وَصَفَ مناقشة تسعير اللقاح في أثناء الجائحة، مشيراً إلى أن لقاح الالتهاب الرئوي من شركة فايزر يكلِّف نحو 200 دولار. وإذا استخدمت الشركة تكاليف رعاية مرضى كوفيد، أو فوائد إعادة فتح الاقتصاد لتبرير تسعيرها، فقد يكون السعر أعلى