الأحد 28 نيسان 2024

هل يستمر النفط في تحريك السياسة الدولية؟

صلاح الدين ياسين
كاتب وباحث مغربي
كاتب وباحث مغربي متخصص في مجالات الفكر والسياسة 
رغم التأكيدات والأحاديث المتواصلة حول العالم بشأن التحول نحو مصادر الطاقة النظيفة والتخلي عن الوقود الأحفوري المسبب لاحترار الجو، ما انفك النفط يلقي بكل ثقله ويشغل الحصة الأكبر من سوق الطاقة العالمي، إذ ما زلنا بعيدين عن الهدف المتمثل في التخلص نهائياً من الطاقة الملوثة في أفق سنة 2050. والأهم من ذلك كله ما برح النفط يمثل طرفاً أساسياً في صوغ المعادلات الجيوسياسية وحسم رهانات وتطلعات القادة السياسيين.
ويعرف سوق النفط تحولات نوعية مهمة لا تخلو من تداعيات سياسية لافتة، فقد نجحت الإدارة الأمريكية الحالية في مساعيها الرامية إلى الحفاظ على استقرار أسعار النفط والحيلولة بالتالي دون ارتفاعها بشكل يضر بالمواطن الأمريكي الذي يعاني أصلاً من آثار التضخم في سنة انتخابية حبلى بمعارك سياسية شديدة ومعقدة. بالمقابل نلمس تراجعاً ملحوظاً في نفوذ وقدرة منظمة أوبك على التحكم بأسعار النفط، بدليل ثبات الأخيرة وعدم تأثرها بالخفض المستمر لدول الأوبك من إنتاجها. وفي وسعنا إجمال أهم العوامل الكامنة وراء استقرار أسعار النفط كما يلي:
– زيادة أمريكا إنتاجها اليومي من النفط بشكل كبير، فضلاً عن الاعتماد على حلفائها مثل جزيرة غويانا التي اكتشفت فيها شركات النفط الأمريكية كميات هائلة من النفط، وتحولت في ظرف زمني وجيز إلى لاعب رئيسي في سوق النفط الدولي.
– تغاضي الولايات المتحدة الأمريكية بشكل ضمني وغير معلن عن تهريب إيران وفنزويلا لنفطهما إلى الخارج، رغم العقوبات المفروضة عليهما، التي تحظر على الدولتين تصدير النفط، لكون ذلك يخدم مصلحة الإدارة الأمريكية التي لا ترغب في ارتفاع أسعار النفط بشكل جامح يؤذي حظوظها الانتخابية، وخصوصاً بعد العقوبات التي فرضتها على روسيا ونفطها.
– تراجع طلب الصين على النفط نظراً للتباطؤ الاقتصادي الذي تعرفه، أخذاً بالاعتبار أن الصين تعد من أهم مستوردي النفط بالنظر إلى اعتماد صناعتها على الطاقة
وهكذا يترتب على المؤشرات السابقة تحولات جيوسياسية دالة، وفي مقدمتها التراجع النسبي في أهمية الشرق الأوسط كمصدر للطاقة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، ما يخدم توجهها الاستراتيجي الهادف إلى التقليل من حضورها في المنطقة، والتركيز أكثر على مواجهة الصين في بحر الصين الجنوبي وأماكن أخرى من العالم. هذا المعطى الجديد ليس يخفى على الدول الخليجية المصدرة للنفط كالسعودية والإمارات، التي شرعت في تطبيق خطط لتنويع اقتصاداتها وشراكاتها السياسية والتجارية (مع فاعلين آخرين مثل الصين وروسيا)، من دون أن يعني ذلك حكماً تخليها عن النظر إلى أمريكا بحسبانها الشريك الاستراتيجي الأهم لدول الخليج.
وإجمالاً تبقى جميع السيناريوهات مطروحة بالنسبة لمعركة النفط ومدى نجاح الإدارة الأمريكية في الحفاظ على استقرار السوق النفطية، في ظل التوترات والصراعات السياسية التي تعرفها مجموعة من المناطق بالعالم، التي قد تهدد إمدادات الطاقة وسلاسل التوريد والإنتاج على نحو قد يفضي إلى ارتفاع الأسعار، بفعل تراجع العرض في السوق، قياساً للطلب (الشيء الذي ظهرت بعض مؤشراته في الأيام الماضية)، وهو ما برز مؤخراً في الحرب الروسية- الأوكرانية، حيث استهدفت أوكرانيا مجموعة من مصافي النفط الروسية، ما أدى لتعطل إنتاج 600 ألف برميل من قدرة تكرير النفط اليومية في روسيا. هذا، دون إغفال تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة وتصعيد الحوثيين من هجماتهم واحتمال توسيع نطاقها بشكل لا يقتصر على البحر الأحمر كما صرح بذلك علناً قيادي حوثي، بالإضافة إلى مؤشرات عن بدء تعافي الاقتصاد الصيني وتزايد الطلب الاستهلاكي على النفط. إلا أن الثابت هو الدور المحوري الذي ستلعبه الطاقة والموارد النفيسة في حسم الصراعات والرهانات الجيوبوليتيكية الكبرى بين القوى الدولية المتنافسة، وما يستتبعه ذلك من إشعال بؤر توتر جديدة، والتلاعب بمصير أمم مغلوبة على أمرها.