السبت 4 أيار 2024

هل إسرائيل على وشك خسارة الحرب؟


سيلين أتيش
باحثة تركية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

صرح الاحتلال الإسرائيلي بأنه لن يتردد في فتح جبهة جديدة إذا استمرت الهجمات، وعندما تجاهل حزب الله اللبناني هذا التحذير، فتح الاحتلال جبهةً جديدة للحرب في لبنان. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، في بيانٍ له، إن بعض جنود الاحتياط سوف يعودون من الجبهة من أجل تخفيف العبء على الاقتصاد. ويوضح هذا البيان أن الهدف هو سحب بعض جنود الاحتياط المعنيين من قطاع غزة وإرسالهم إلى الحدود اللبنانية. 

أرسلت الولايات المتحدة حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد فورد" إلى شرق البحر المتوسط لدعم إسرائيل بعد شن الحرب الغاشمة على غزة. إلا أنه تقرَّر مؤخراً سحب حاملة الطائرات (أكبر سفينة حربية في العالم)، إلى وطنها. وقد أبحرت حاملة الطائرات، التي تسبَّب وجودها مؤخراً في هجمات الحوثيين ضد شركة ميرسك للشحن (شركة الشحن الرائدة في العالم)، الآن إلى الولايات المتحدة الأمريكية. 

في المقابل، يواصل حزب الله اللبناني هجماته، وصرح الحوثيون بأنهم مستعدون لحرب شاملة. 

من الواضح لكل عاقل يتابع المجريات على أرض الواقع أن الحقائق واضحة بما يكفي بحيث لا تترك مجالاً للنقاش. إن الهدف الرئيسي للحرب الإسرائيلية الحالية لا يقتصر على الانتقام من حماس أو غيرها من حركات التحرير التي تقاوم احتلال فلسطين. تريد إسرائيل استهداف أبناء الشعب الفلسطيني كافة؛ في غزة كما في جميع الأراضي الفلسطينية. 

أما الأهداف الفرعية لإسرائيل، فتبدأ بمرحلة دفع قطاع غزة نحو سيناء أولاً، ثم نحو الشتات الجديد في بلدان أخرى. ولهذا السبب تُمارَس حالياً ضغوطٌ على الدول الأخرى لاستقبال اللاجئين من غزة. وتحاول إسرائيل، بحماية الولايات المتحدة، تمهيد الطريق لإعادة رسم خرائط المنطقة وفقاً لشروطها. 

الجنود الإسرائيليون 

كان الجنود الإسرائيليون موضوع اهتمام العديد من الباحثين بوسائل الإعلام الأمريكية في الآونة الأخيرة، ورغم أنهم يعبِّرون عن فخرهم بخدمة دولة الاحتلال على حدود قطاع غزة، فهم لا يخفون خوفهم من فكرة القتال. 

وبحسب المحللين، تتراوح أعمار هؤلاء الجنود من بين 18 و21 عاماً، وفيهم من قد تجاوزوا للتو فقط مرحلة المراهقة. 

وكشفت العديد من الدراسات والمقالات الصحفية أن هؤلاء الشباب خائفون من قتال مقاتلي المقاومة. ونشرت صحف غربية شهيرة مقابلات عبرت عن خوف الجنود الإسرائيليين، وتؤكد أن وسم "جندي إسرائيلي يبكي من الخوف" أصبح سريع الانتشار على منصة تيك توك. 

والحقيقة أن ضابط المخابرات الأمريكية السابق سكوت ريتر، أثناء تعليقه على حرب إسرائيل على غزة، قال صراحةً: "الجيش الإسرائيلي خائف". 

بينما جاء تعليق آخر من بول روجرز، خبير الأمن العالمي الرائد في المملكة المتحدة، إذ قال: "الرواية الرسمية هي أن حماس تضعف، ولكن في الواقع عقيدة القوة الجماعية للجيش الإسرائيلي آخذة في الانحدار". 

يأتي في هذا السياق ادعاء دان حالوتس، أحد القادة العسكريين الإسرائيليين السابقين، أن إسرائيل خسرت الحرب ضد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة المحاصر، وهو ما يختلف تماماً عن الرواية الإسرائيلية. 

النقطة الحساسة للرأسمالية: البحر الأحمر 

في الوضع الحالي الهش للسياسة العالمية والنظام الدولي، نرى أن أوروبا بدأت في التراجع عن دعمها لإسرائيل، إذ يبدو أن دعمها أصبح أكثر تكلفة على عدة مستويات، وأصبح ملف دعمها بشكل واضح في كنف الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ورغم أن ألمانيا ما زالت تصدر تصريحات داعمة، فإنها غير قادرة على تقديم أي دعم عسكري؛ لكون جيشها في وضعٍ ضعيف، كما ذكرت في مقالتي في الأسبوع الماضي. ومن الجدير بالذكر في هذه المرحلة أن الولايات المتحدة مع إسرائيل وليست مع نتنياهو الذي يريد أن يوسع الحرب لإطالة نهايته، لذلك فهي لا تريد أن تتوسع الحرب عسكرياً، مما قد يضطرها إلى الانجرار بأي شكل لتدخل في المنطقة عسكرياً.
بينما تأخذ بريطانيا منحى آخر، إذ تصمم على دعم إسرائيل للنهاية من أجل مصالحها الشخصية أكثر منها لأسباب تاريخية بهذا الاحتلال.

حيث كتب وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس، مقالاً بعنوان "يجب علينا حماية البحر الأحمر" في صحيفة Telegraph البريطانية. ويكشف في مقاله بالأرقام أن التكاليف زادت في وضع ما بعد الحرب، ولهذا السبب يدعو الدول الأوروبية إلى دخول هذه الحرب. 

يمكن القول إن دعوة الوزير إلى الحرب لها علاقة أكثر بمصالحها الرأسمالية المباشرة بالبحر الأحمر، فخلال الفترة الأخيرة بدأت الأمور أكثر سخونة، فقد جاءت تلك المقالة وما بها من تصريحات في ضوء التعليق على إسقاط سفينة حربية بريطانية طائرة بدون طيار، يشتبه في أنها كانت تابعة للحوثيين. في المقابل أيضاً،  انضمت السفينة الإيرانية "ألبُرز" إلى البحر الأحمر، مما يزيد مياه البحر الأحمر سخونةً يوماً بعد يوم كأثر جانبي للحرب بين إسرائيل وغزة. 

ويمكن فهم هذه السخونة بشكل أوسع، بحيث إنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالولايات المتحدة، ففي عام 1980، أصدرت الولايات المتحدة إعلاناً يُعرف باسم مبدأ كارتر. وكان هذا الإعلان يتعلَّق بالخليج، وهو يرتبط بشكل وثيق بمناطق البحر الأحمر والخليج العربي ومضيق هرمز، التي هي جميعاً موضع صراعات حالياً. وبهذا المبدأ، تنص الولايات المتحدة على أن أي عرقلة تتعلق بهذه المنطقة ستُعتَبَر بالنسبة لها سبباً للحرب. لكن إصرار تل أبيب على إخضاع حلفائها الغربيين لرغباتها أصبح مفارقة حقيقية لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن. 

لا يتطلب الأمر عبقرية لفهم مدى أهمية حرية البحار بالنسبة للرأسمالية. فبينما يشعر معظم العالم بالحزن بسبب المذبحة في فلسطين، فإن الشيء الوحيد الذي تهتم به الرأسمالية هو المال، فنجد الدول الكبرى تحرك سفنها من أجله، لأن الرأسمالية وممثليها يشعرون بالقلق لمصالحهم.

هذا المسار، الذي يهدف إلى قلب المنطقة لتشعر إسرائيل بالارتياح في جوارها، قد لا يحظى بشعبية، لأنه ينطوي على تغييرات جذرية تماماً.  

خلال كلمته أمام مجموعة من جنود الجيش الذي يخوض حرباً هجومية في قطاع غزة، أصر بنيامين نتنياهو على إظهار غطرسته من خلال تأكيد أن الحرب ستستمر حتى تحقيق "الانتصار" على حركة حماس. لكن يبدو أن هناك العديد من التطورات الجديدة التي تشير إلى أن احتمال خسارة إسرائيل حتى لمعركة فرض شروطها على الفلسطينيين وعلى المنطقة برمتها قد يفوق هذا الاحتمال.