الأربعاء 1 أيار 2024

النزاع الصهيوني الأمريكي وتمويل القبة الحديدية!



محمد عبد الحكيم  دياب  كاتب  مصري 

لفت بكاء البرلمانية ألكساندريا كورتيز النظر بعد موافقة مجلس النواب الأمريكي على تمويل «القبة الحديدية» وهو ما شد الانتباه إلى حجم التأثير الصهيوني البالغ في البنى السياسية والتشريعية والاقتصادية والثقافية، وفي مجمل الحياة الغربية بصفة عامة والحياة الأمريكية بوجه خاص، فما زالت الولايات المتحدة توظف ديمقراطيتها في خدمة الاستيطان والعنصرية ومصادرة الحقوق والأراضي العربية والفلسطينية، وعلينا ألا نغفل «توازن الردع» الذي بدأ يتحقق على يد المقاومة الفلسطينية رغم الحصار المضروب حولها.
ويأتي هذا في وقت اتقنت فيه واشنطن معاداة العرب، وغابت الفروق بين الحزبين؛ الجمهوري والديمقراطي في الموقف مما تمثله الدولة الصهيونية بالنسبة لكليهما، فهي «بقرة مقدسة»؛ يعبدها الغرب، ويهتدي بها العنصريون والمصهينون والمنحازون بشكل مطلق للصهيونية؛ المهيمنة والمتمكنة، فينظرون للعرب نظرة متدنية، فالعربي الجيد في نظرهم هو العربي الميت، وعدد ضحايا العرب خلال نصف القرن الأخير يُقدَّر بالملايين؛ ما بين شهيد ومصاب ومعاق؛ من فلسطين ولبنان والعراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال وغيرهم.
«القارة العربية» تحتاج إلى من ينظر إليها بعيون ترى الواقع على حقيقته، وتصرفات الغرب مع العرب عوراء، منذ ما بعد حرب 1973، وازدادت عوارا بعد إنهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وظهرت واشنطن في صورة شديدة البؤس والتوحش، ومن يعترض على مشروعاتها الدامية، فمصيره مجهول، ومجرد النظر لخريطة العالم، تجد «القارة العربية» قد أُستبيحت بالكامل، وتمكنت منها الحركة الصهيونية ودولتها الاستيطانية، واستحوذت واشنطن على تجنيد أكبر عدد من الحكام والمسؤولين العرب لدخول «بيت الطاعة» الصهيوني، وعن طريقه يستنزفون ويُحلَبِون بأساليب وطرق لم يسمع بها أحد من قبل.
وتجاوز الغرور الأمريكي حدوده، فأتقن صناعة الفوضى، ورعى الإرهاب، ونظم وأعد ومول عصاباته وجماعاته، وأشاع الفتن، وحرض على الاقتتال الأهلي، وأضحت أوبئة منتشرة بسرعة البرق، وغطت «القارة العربية» ودول الجوار الأفريقي، وتَتَّبِع استراتيجية التدمير الذاتي. وحين ظهرت البرلمانية ألكساندريا كورتيز باكية، والسبب هو موافقة شبه إجماعية صادمة من مجلس النواب الأمريكي؛ واعتماد مليار دولار لـ«القبة الحديدية» وهو مبلغ كبير، وكانه لإصلاح عيوبها وأعطالها، التي نجحت فصائل المقاومة الفلسطينية في فك شفراتها وشلها، وتدنت بأدائها إلى 40٪ من طاقتها المقررة. وتجاوزت أغلبية مجلس النواب الأمريكي كل التوقعات، حتى التي تجري داخل «الكنيست» الصهيوني، وأكد ممثلو الشعب الأمريكي أنهم أكثر صهيونية من الصهاينة أنفسهم، بدرجة فاقت ممثلي نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا.
ودل التصويت على أن «الفصل العنصري» نهج متأصل في الحياة الأمريكية؛ عامة وخاصة، وهي حاضنة تحافظ على حياة وأمن المستوطنين اليهود في فلسطين، ولا يجب الرهان على كيان بكل هذه العقد، ومن يراهن عليه فهو مثله؛ سواء كان عربيا أو أعجميا، وليس هنأك من سبيل سوى رفع مستوى الوعي والدعوة لتفكيك الكيانات العنصرية ومواجهتها ما أمكن.
وتصويت بذلك المستوى غير المسبوق يستحق المراجعة والتفكير العميق، ووصول عدد المؤيدين لذلك القرار العنصري إلى 420 من أصل 435 صوتا. ولم يتجاوز عدد المعارضين 15 صوتا فقط، وعقبت النائبة رشيدة طليب؛ أمريكية من أصل فلسطيني بقولها: «لا يمكن التحدث فقط عن حاجة الإسرائيليين للأمان في وقت يعيش فيه الفلسطينيون تحت نظام فصل عنصري عنيف» ونطقت باسم تلك الأصوات القليلة التي عارضت القرار؛ من «الديمقراطيين» إلهان عمر، وايانا بريسلي، وكوري بوش، وماروي نيومان، وراؤول غريغاليفا، وغارسيا، وعضو واحد من «الجمهوريين» هو توماس ماسي وانبرى لطليب نائب يهودي هو تشارلز فليشمان يطالب بإدانتها على ما قالت، وتساءل النائب الديمقراطي تيد دوتش «كيف يمكن السماح بوصف إسرائيل الديمقراطية)! بأنها دولة فصل عنصري»! ومقارنة ما جرى في مجلس النواب الأمريكي بدا اكثر انحياز من ما يجري في الكنيست، الذي رفض في يوليو الماضي 2021 على تجديد «قانون المواطنة» ولأول مرة بعد 18 عام، يفشل الكنيست في تجديد قانون يمنع لم شمل فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة من الانضمام لأزواجهم حملة الجنسية الصهيونية، وتوقف العمل بالقانون، الذي سنه الكنيست زمن الانتفاضة الثانية باسم »قانون المواطنة 2003» والدخول إلى إسرائيل.

تلعب الحركة الصهيونية وهيمنتها على عقول ومصالح الغالبية العظمى من المنظومة الغربية، وفي مقدمتها الإدارة الأمريكية، وكانت أول من اعترف بالدولة الصهيونية، وبتنفيذ وعد بلفور

ولا يمكن وصف الدولة الصهيونية بغير الكيان المارق، وهو في حقيقته كيان متربص، يقف حجر عثرة أمام التوصل لحل الصراع العربي الصهيوني، والتخلص من آخر نظام استيطاني، الذي تخلصت منه الجزائر عام 1962، وجنوب أفريقيا بداية تسعينيات القرن الماضي، وطال أكثر من اللازم، وما زال مستمرا في فلسطن، وهو وصمة عار في جبين العالم، كله؛ أوقف استئناف العمل على تفكيكه وتمكين الفلسطينيين من التحرير والعودة، ومن تعويض الشهداء واللاجئين والمُهَجَّرين والمُبعَدين، ورد الحقوق لأصحابها الشرعيين وتلعب الحركة الصهيونية وهيمنتها على عقول ومصالح الغالبية العظمى من المنظومة الغربية، وفي مقدمتها الإدارة الأمريكية، وكانت أول من اعترف بالدولة الصهيونية، وبتنفيذ وعد بلفور الذي «أعطى من لا يملك وعدا لمن لا يستحق» وسبق ذلك الوعد قرار تقسيم فلسطن بثلاثين عاما، وأنشأ دولة ليست أكثر من حاملة أرضية لشتى أنواع الأسلحة والمعدات؛ برية وبحرية وجوية وصاروخية ونووية، وجريمة اغتصاب فلسطين تقع مسؤوليتها أولا على عاتق الانتداب البريطاني، وعلى راعيها الحالي منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وحتى فشل الغزو الثلاثي لمصر عام 1956، وتراجع الرعاية البريطانية بعد الجلاء عن مصر مرتين، الأولى في يونيو 1956، لجلاء القوات البريطانية المحتلة منذ هزيمة أحمد عرابي في 1882، والثانية بعد فشل الغزو الثلاثي في نفس عام الجلاء 1956 وعام تأميم قناة السويس وانتقلت الرعاية للادارة الأمريكية.
وكانت الدول الغربية الكبرى آنذاك قد تبنت «إعلانا ثلاثيا»؛ تعهدت فيه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والجمهورية الفرنسية بضمان الوضع الإقليمي الذي نشأ بإتفاقيات الهدنة العربية (الإسرائيلية) عام 1949. وبين الإعلان، الذي تم تطويره من خلاصات المناقشات المتعلقة بالهدنة، والتزام الأطراف الثلاثة بالسلام والاستقرار في الشرق الأوسط، ومنع استخدام القوة أو التهديد باستخدامها. واتخاذ إجراءات داخل وخارج الأمم المتحدة لمنع انتهاك الهدنة والحدود، ومعارضتهم لسباق التسلح. ونص الإعلان على التشاور الوثيق بين أطراف الإعلان الثلاثة وعملهم على الحد من سباق التسلح العربي (الإسرائيلي) وصدر ذلك في 25 مايو 1950.
وامتد دور الكيان الصهيوني الوظيفي لحماية وضمان أمن وبقاء (إسرائيل)؛ إلى الترويج لنظامها «الديمقراطي»(!!) واعتباره الامتداد الحضاري والتكنولوجى الغربى، وكالعادة فكل الضمانات كُفِلت بسخاء للدولة الصهيونية، وكذلك حقها في تعويضات لتقيم وتنمي «الوطن القومي لليهود والحفاظ على بقائه وفاء لما تعرض له اليهود من اضطهاد على يد النازي»(!!) وماذا عن النازية الأمريكية وهي تقود تصفية كل الحقوق الفلسطينية والعربية؟
وهذا ما نشاهده من مؤسسات وسلطات وإدارات الحكم الغربية؛ ووظيفتها «المقدسة» تجريد العرب مما يملكون في حوزتهم، وتسليمه مجانا للصهيونية العالمية وقاعدتها في فلسطين المحتلة، وما زال الغرب يتفانى من أجل استمرار سلامة الدولة الصهيونية وأمنها ووجودها، ويحفظ تفوقها العسكرى وغير العسكري، ويعبئ الإمكانيات والقدرات كافة للتصدي لأىّ كيان موحد أو ائتلاف أو تكتل للم الشتات العربى والتصدي لأي قادر وتصفيته؛ ففي ذلك «ضمان الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط» الذي يتحقق بـ«التعاون الاستراتيجي (الإسرائيلي) الأمريكي» وقطعت أمريكا شوطا كبيرا في تحديد المصالح المشتركة؛ التي تربط دولة الاستيطان والصهاينة العرب والمسلمين ورديفهم الأوروبي والغربي، والقبول بالتفوق الصهيوني المطلق على الجيران، والتعاون الثقافي معهم، ومواجهة تهديدات المشتركة، والعمل المبكر على اعترافهم بحق (إسرائيل) في الوجود داخل حدود آمنة، والمرور الآمن في الممرات البحرية، وعدم الضغط عليها للانسحاب من الأراضى العربية المحتلة، واستمرار الالتزام؛ بدعمها سياسياً واقتصاديا وعسكرياً، وتأييدها فى المحافل الدولية؛ لتحقق أهدافها التوسعية. واستخدامها قوة ردع ضد كل الدول العربية بلا استثناء(!!)

كاتب من مصر