السبت 18 أيار 2024

الانتخابات الايطالية والقضية الفلسطينية

بسام صالح
يتوجه في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر القادم ملايين الناخبين الايطاليين لانتخاب ممثلينهم في مجلسي النواب والشيوخ، بعد استقالة حكومة ماريو داغي في شهر يوليو الماضي وحل فرعي البرلمان بقرار من رئيس الجمهورية والدعوة لانتخابات مبكرة، والتي جاءت لاول مرة في هذا الصيف الحار.
وتشهد الحملة الانتخابية "حالة من الهلوسة التي تؤكد على فساد المناخ السياسي والسياسة الرسمية"، حيث  تقوم اجهزة الاستخبارات الايطالية بالبحث عن الاشباح الروسية للقبض عليها، بعد تصريح لاحد المسؤوليين الروس طالب فيه الناخب الايطالي بعدم مكافأة الاحزاب الحاكمة، واعتبره الساسة الايطاليين ومن كافة الاحزاب بانه تدخل في الشأن الداخلي الايطالي، بينما هناك دولة تتدخل مباشرة وعلنا اكثر من روسيا. وهي تفعل ذلك من خلال "سياسيين وصحفيين من ذوي المواقف المثيرة للتساؤل حول ارتباطهم مع المصالح الاسرائيلية والمشروع الايديولوجي الصهيوني" حسب تعبير سيرجو كارارو Sergio Cararo رئيس تحرير الصحيفة الالكترونية  Contropiano الصادرة بتاريخ 21/9/2022 . في مقالة له تحت عنوان "من يتدخل فعلا في الانتخابات الإيطالية؟ الويل لمن ينتقد اسرائيل"
يقول Cararo، " اضطر المرشح الشاب Raffaele La Regina  رافاييل لا ريجينا  عن الحزب الديمقراطي في اقليم بازيليكاتا، إلى التنازل عن ترشيحه على رأس قائمة الحزب، بسبب استغلال تعليق نشره على فيسبوك قبل عامين، وضع فيه موضع المناقشة السياسة الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بموضوع القدس عاصمة لاسرائيل وبالرغم من اعتذار لاريجينا. بانه لم يقصد ابدا انكار حق اسرائيل في الوجود. وعلى ضؤ ذلك أعلن سكرتير الحزب الديموقراطي ليتا، أن القضية "مغلقة" ، لكن ذلك لم يكن كافياً. كان كافيا ان تتحرك الأجهزة الأيديولوجية الموالية لإسرائيل و تستمر في النباح مما ارغم مرشح الحزب الديمقراطي الشاب إلى التنحي".
كرارو يقدم نموذجا اخر لكيفية استغلال ما ينشره اي مواطن على وسائل التواصل من قبل القوى النافذة والمرتبطة  ليقدم للقارئ  مثالا صارخا  حدث مع Rachele Scarpa راشيل سكاربا، ""وهي مرشحة شابة أخرى عن الحزب الديمقراطي في دائرة تريفيزو شمال ايطاليا. حيث أثار السناتور جيوفان باتيستا فازولاري) عن حزب اخوة ايطاليا اليميني (والى جانب النائب أندريا أورسيني (من حزب بيرلوسكوني فورزا إيطاليا)، احد رواد التخصص بالارتباط  بالمصالح الإسرائيلية في البرلمان، حيث قاما بتسليط منشور كان للمرشحة نُشر في عام 2021 أثناء مذبحة إسرائيلية أخرى ارتكبتها في غزة والقدس والضفة الغربية في شهر مايو/ايار من العام الماضي. تحدثت راشيل سكاربا في منشورها، نقلاً عن هيومن رايتس ووتش، عن "نظام الفصل العنصري الإسرائيلي" و "أعمال الحرب والقمع ضد المدنيين من قبل الحكومة الإسرائيلية"."
هذه الكلمات، التي يتقاسمها وعلى نطاق واسع أي شخص لديه إحساس طفيف بالعدالة والتاريخ، تم انتقادها من قبل "قتلة الإعلام" (التعبير للصحفي كرارو)من اليمين الايطالي وبشكل انتهازي "برلماني آخر طموح من الحزب الديمقراطي ينشر منشورات جادة ضد إسرائيل: إنها راشيل سكاربا. يتحدث العديد من أعضاء الحزب الديمقراطي وكانهم متطرفون إسلاميون: عار. حسب تعلق زعيم الرابطة ماتيو سالفيني. كما تحدث فزولاري عن "الهجمات الوهمية" ، وتحدث أورسيني عن "مؤشر قوي على العقلية التي تنتشر في جزء كبير من اليسار الإيطالي"، محددًا "ان الجمع بين كلمتي إسرائيل والأبرتهايدهو فاحشه".
لم تستطع جوقة اليمين الصهيوني أن تسبق رينزي (رئيس حكومة سابق وسكرتير سابق للحزب الديموقراطي) الذي أطلق تغريدة: "رأيت أن أحد أفضل المرشحين للحزب الديمقراطي، على رأس قائمة اقليم بازيليكاتا، كتب منشورات معادية للسامية وضد دولة إسرائيل، أني اتوجه إلى الجالية اليهودية: هل يبدو من الطبيعي أن يرشح الحزب الديمقراطي من يشكك في شرعية دولة إسرائيل؟"
حتى الان، لا يبدو أن المرشحة الشابة عن الحزب الديمقراطي، على عكس زميلها الشاب من بازيليكاتا، قبلت بالتهديد، وقد ردت معبرة عن موقفها بمنشور نُشر على فيسبوك. كتبت راشيل سكاربا: "الحزب الديمقراطي، الذي أنا عضوة فيه، أيد دائمًا عملية السلام في الشرق الأوسط وأنا أتفق مع الموقف الذي عبر عنه الاتحاد الأوروبي وكذلك الرئيس بايدن لصالح حل الدولتين. لانهاء الصراع بين إسرائيل وفلسطين، وبالتالي دون إنكار حق إسرائيل في الوجود بأمان وفي نفس الوقت حق الفلسطينيين في العيش بدولة دون الاحتلال ومع انتخابات حرة دون ابتزاز حماس ". واضافت مرشحة الحزب الديموقراطي "ان هناك امرا اخر مختلف تماما وهو حق الانتقاد المشروع لسياسة الحكومة الاسرائيلية، عندما قامت باسم حق الدفاع باصابة السكان المدنيين وتلقت انتقادات من جميع انحاء العالم حتى من شخصيات بارزة في العالم اليهودي أو من قبل سياسيين مطلعين على هذه القضايا ". وخلصت إلى القول: "بدأ نضالي السياسي برحلتي إلى معسكر الإبادة والاعتقال في أوشفيتز: أعتبر أن محاربة العنصرية ومعاداة السامية أولوية مطلقة. إنها السياسة الخارجية لليمين الإيطالي التي لا يمكن الدفاع عنها ابدا. ولها مراجع "أبطال الديمقراطية" مثل بولسونارو وأوربان وبوتين وترامب ".
باختصار، ليس هذا هو الأفضل، لكنه على الأقل كان لديها الحد الأدنى فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي.  ولكن "قتلة الاعلام" لم يكتفوا بانسحاب لاريجينا ولا برد  سكاربا، التقطت صحيفة لاريبوبليكا الكرة للعودة للحديث مرة اخرى مطالبة التقدميين الايطاليين الى تفكير اعمق في الاسباب التي تدفع الشباب لمثل هذا التفكير وكتب أنريكو فرانشيسكيني الحائز على الاعجاب المتبادل مع الموساد، "يجب ان نفعل كما فعل ستارمر في بريطانيا بالمساواة بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية وجعلها اولوية". اشارة الى مشروع قرار تم تقديمه  للبرلمان الايطالي قبل سنوات دون ان يصل الى لمرحلة المناقشة  ويتم التلويح به من قبل مجموعات الضغط الصهيونية، كلما ارتفعت الاصوات الداعمة للحق الفلسطيني . 
ومن جهة اخرى على صفحة الورقة وهي صحيفة تحمل بالفعل هاذا الاسم عبارة عن ورقة Il Foglio، المعروفة بولائها الصهيوامريكي، حتى وان بطريقة أقل فظاظة من الآخرين، ولكنها مثل وضع السم في العسل، في إشارة إلى الحزب الديمقراطي ، كتبت أنه "في حين أن المواقف الرسمية للحزب هي بالتأكيد بعيدة عن الدعاية المعادية لإسرائيل والمعادية للسامية، فلا تزال هناك منطقة من عدم اليقين والارتباك الشديد، والتي تتعلق بشكل أساسي  الأجيال الشابة (ولكن ليس فقط ) التي تعتبر ملحمة ولادة إسرائيل والدفاع البطولي عن النفس بالنسبة لها تاريخًا قديمًا، في حين أن استحالة حل القضية الفلسطينية تتحدث أكثر عن حساسيتها.
وقد رأينا وعايشنا هذا التناقض برمته في مايو 2021، عندما هرول جميع القادة السياسيين - من الحزب الديمقراطي إلى إخوة إيطاليا ، مروراً بـ الرابطة , وحركة 5 نجوم للمشاركة في تقديم الولاء في مظاهرة الجالية اليهودية لدعم خيارات إسرائيل، بينما كان هناك وليس قلة من ناخبي و أعضاء الحزب الديموقراطي، في هبة اندفاع واطلاق للكرامة، يشاركون الوقوف في الشوارع، بدعوة من الجالية والشبيبة الفلسطينية، مع المتظاهرين الذين تظاهروا ضد ما تقوم به اسرائيل من مذابح بحق الفلسطينيين، ليس فقط في غزة ولكن أيضًا في القدس، والضفة الغربية وفي الأراضي المحتلة عام 1948.
عودة لمقالة Cararo كارارو، يقول "في مواجهة الكثير من الجبن السياسي والإعلامي، فإن العلاج الوحيد - الذي مارسناه، وما زلنا نمارسه ونقترحه - هو الحفاظ على الموقف وعدم التراجع قيد انملة عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وانهاء الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري والفصل العنصري للفلسطينيين. وهذا أيضًا في المواعيد الانتخابية حيث يجب ان لا تصبح بعض الكلمات هراء أو تعبيرات يخشى منها أو يخجل منها أو نخفيها". واختتم " إنه ليس كثيرًا ولكنه كثير في معرض النفاق والجبن والتواطؤ على القضية الفلسطينية ، ولكن أيضًا في حرية التعبير ومستقبل السياسة الخارجية لبلدنا" ايطاليا.
وهنا لا بد من تسجيل ان القوة السياسية الوحيدة التي كتبت بالخط العريض لبرنامج حكومتها، الاعتراف بدولة فلسطين هي اتحاد الشعب، وهي قوة سياسية حديثة التشكيل بينها العديد  من القوى الداعمة للحق الفلسطيني، ويقف على رأسها رئيس بلدية نابولي السابق القانوني لويجي دي ماجيسترس والذي سبق له ان منح الرئيس ابو مازن الجنسية الفخرية لمدينة نابولي وكذلك للاخ مروان البرغوثي وكانت مدينته من اولى المدن التي اطلقت اسم الشهيد الرمز الرئيس ياسر عرفات على احد اهم شوارعها. بينما باقي الاحزاب فالاغلبية تؤيد الاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري وينافقون بحل الدولتين أو يلتزمون الصمت ، ليس ذلك فحسب ، بل انهم جميعًا اعادوا التأكيد على خضوعهم للسياسة الأوروبية الأطلسية.