السبت 27 نيسان 2024

هنا « القاعدة»



النهار الاخباريه الوحده الاستقصائيه  احمد عثمان

إمارة إسلامية مكتملة الأركان تتكثف ملامحها شيئاً فشيئاً في محافظة حضرموت جنوب اليمن، وتحديداً في مدينة المكلا. تنظيم «القاعدة» في جزيرة العرب يوسع سيطرته على المدينة ويحكم قبضته على مزيد من مرافقها الحيوية ويتشدد في إخضاع حيوات سكانها لأنظمته الصارمة. يوجه ضربات إضافية لقواها المحلية التي تشكلت على عجل من قبل السعودية وحلفائها. بعض المطلعين على ما تشهده عاصمة حضرموت الاقتصادية لا يترددون على سبيل التصوير بالدعابة في القول: إنه لا ينقص المكلا إلا أن يأتي التنظيم بالإبل والخيم حتى تكتمل الفسيفساء القاعدية بجميع عناصرها
كان يفترض بتنظيم «القاعدة»، بناءً على مفاوضات تمت بينه وبين المجلس الأهلي الحضرمي في حزيران الفائت، أن يسلّم جميع المقار الأمنية والحكومية في المدينة إلى المجلس. في ذلك الحين، رفع وجوه «الأهلي»، وفي مقدمهم المتحدث الرسمي باسمه ربيع العوبثاني، سقف توقعاتهم، متحدثين عن جهاز شرطة جديد يشمل الأمن العام وشرطة النجدة وشرطة السير ويتألف «من ضباط قدامى معروفين بنزاهتهم».
عزز هذه التوقعات نجاح «تجربة تسليم وتسلم» شهدها شهر أيار الماضي، حيث أخلت «أنصار الشريعة» ميناء المكلا ومبنى ديوان المحافظة ومنزل المحافظ المملوك للدولة ليقوم مقامها فيها المجلس الحضرمي.
مرت حوالى ثلاثة أشهر وبدأ الاتفاق بين الجانبين يسلك سبيله إلى التنفيذ بعدما اعترضته سلسلة عقبات اضطر «الأهلي» على أثرها إلى إصدار بيان شديد اللهجة طالب فيه «أنصار الشريعة» بالوفاء بوعودها. هكذا سلم التنظيم في شهر أيلول من العام 2015 إدارة أمن المكلا للمجلس الحضرمي الذي كان لا يزال يدير الشؤون الخدمية في المدينة، وأعلن «القاعدة» في بيان صادر عنه إغلاق فرع المؤسسة الاقتصادية الذي اتخذه مقراً لإدارة أمن المكلا منذ سيطرته على المدينة، داعياً المواطنين إلى التوجه إلى مديرية أمن المكلا ومراكز فروع الشرطة «التي سيفعل المجلس عملها».
اليوم، يتبين أن الخطوات التي أقدم عليها «أنصار الشريعة» في ما مضى لم تكن أكثر من إجراءات ترقيعية استهدفت تهدئة الأوضاع وامتصاص الغضب ريثما تتهيأ الأرضية الملائمة لإطباق فكي الكماشة على المكلا. طيلة الأشهر السالفة، اجتهدت الجماعة التكفيرية في تمديد أذرعها وإضعاف شرايين المجلس الأهلي حتى لا تقوم له قائمة. هدف يبدو واضحاً أنه بات قاب قوسين أو أدنى في ظل ما تؤكده المعلومات الواردة من حضرموت من تضخم جسم «القاعدة» وتكاثر وظائفه على المستويات كافة.
ينقل مصدر جنوبي عن أحد «الجهاديين» العاملين تحت إمرة خالد باطرفي زعيم التنظيم في المكلا قوله إن «القاعدة» لن ينسحب من المدينة على الإطلاق وإن المجلس الأهلي مفكك ولا يحظى بقبول أهالي المدينة. ويؤكد المصدر أنه أضحى لأنصار الشريعة في الحاضرة الواقعة على بحر العرب أجهزة أمنية واستخبارية وإعلامية تامة من النواحي جميعها، مورداً في سياق حديثه عدداً من الممارسات القاعدية التي تسارعت على نحو غير مسبوق في الآونة الأخيرة.
عناصر الجماعة التكفيرية أصبحوا منتشرين في جميع شوارع المكلا وعند كل مداخلها معززين بالمدرعات والآليات العسكرية التي نهبوها سابقاً من معسكرات الجيش اليمني. هذا الانتشار يترافق مع عودة مسلسل الاستحواذ على منازل المسؤولين المحليين. مسلحو «القاعدة» استولوا خلال الأيام القليلة الماضية على منزل المحافظ المستقيل عادل باحميد وطردوا أسرته منه تحت ذريعة «عدم إعلان توبته عن الديموقراطية والعلمانية وموالاة الطواغيت». وبالذريعة نفسها، اقتحم مسلحو التنظيم منزلي المحافظ السابق خالد الديني ووكيل وزارة الإدارة المحلية عمر العكبري، إلا أنهم لم يتمكنوا من مصادرة محتويات المنزلين بفعل تصدي عناصر قبليين لهم وإجبارهم إياهم على تقديم العدائل والاحتكام للأعراف القبلية.
لن ينسحب «القاعدة»
من مدينة المكلا على
الإطلاق

بالتوازي، سيطر مقاتلو «القاعدة» على شركة الجبل وشركة النخيل وشركة المفضل للأدوية والمستلزمات الطبية في المدينة وصادروا البضائع من مخازنها واستولوا على السيارات التابعة لها وجيروا لمصلحة خزانتهم كل أصولها المالية، بحجة «أن مالكها خليل غالب الجبل يدعم الحوثيين ويتعاون معهم». إلى جانب ما تقدم، عززت «أنصار الشريعة» شبكتها المافيوية التي تتولى تهريب النفط والسلاح والمخدرات إلى الصومال، ومنها إلى أماكن أخرى.
المافيا المذكورة تتخذ مسرحاً لعملياتها ميناء المكلا الذي عاد التنظيم إلى التحكم بجماركه، مخضعاً التجار لعمليات ابتزاز مهولة. مصادر من داخل حضرموت تشير إلى أن «القاعدة» الذي يحرم دفع الضرائب للدولة يفرض على السفن المحملة بالبضائع والمشتقات النفطية خوات بالملايين، كما تشير المصادر إلى أن التنظيم، على الرغم من منعه تعاطي «القات» في مديريات ساحل حضرموت عقب أيام فقط من سيطرته على المكلا، إلا أنه بات يسمح للتجار بإدخال القات إلى المحافظة مقابل ستة ملايين ريال يدفعها كل منهم إلى القاعدة يومياً. نهج استغلالي لم يتورع «القاعدة» عن إشهار أسلحته في مواجهة شركة الاتصالات الرئيسية باليمن «إم تي أن»، مجبرة إياها على دفع مبالغ مالية مقابل وجود أبراجها على قمم الجبال.
هي إمارة قاعدية تقترب من آخر مراحل قيامها بالمكلا. اقتراب يترافق مع توارد أنباء متواترة عن أن المحافظات الجنوبية حتى تلك المتجذرة في العداء للسلفية الجهادية، انطلاقاً من إرثها الاشتراكي العريق تشهد إقبال أعداد مفزعة من أبنائها على الالتحاق بالجماعات التكفيرية.
هذه الظاهرة تأتي محافظة عدن في مقدمة المناطق المبتلاة بها. هي المحافظة نفسها التي ما فتئت تشهد اضطرابات أمنية وعمليات اغتيال على نحو تصاعدي خطير، جديد فصولها تمثل في اغتيال العقيد طه الصبيحي المسؤول في إدارة أمن عدن على أيدي مسلحين صباح يوم أمس. اغتيال سبقه بحوالى أسبوع هجوم مسلح على مطار عدن وتصفية العقيد محمد حسين رئيس تحريات شرطة المنصورة، إضافة إلى قتل العميد السابق في الجيش الخضر صالح درامة أثناء وجوده أمام بوابة قاعدة التاج بالمنطقة عينها.
وسط كل ما سلف، يجد التحالف السعودي نفسه وقد بدأت تفلت من يده آخر فرص الحفاظ على الحد الأدنى من سلطة الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي ونائبه خالد بحاح. من هنا، تأتي محاولات تحالف العدوان استعادة زمام المبادرة ومنع السيل القاعدي الداعشي من أن يبلغ زباه. إلا أن تلك المحاولات تبقى محكومة بالكثير من أسباب الفشل والتي يتقدمها عاملان: تضعضع الرؤية السعودية حيال الأوضاع في الجنوب واكتفاء أصحابها بنوع من الرتق الذي تجلى حديثاً في تعيين اللواء أحمد بن بريك محافظاً لحضرموت، وثانيهما استعجال الإمارات في حسم أمني تجسدت آخر حلقاته في الاتفاق مع محافظ عدن جعفر محمد سعد وعدد من قيادات «المقاومة الشعبية» على خطة لتأمين مدينة عدن، إلا أن هذا الاستعجال لا يبدو أنه سيبلغ غاياته، أقله على المدى المنظور كون الطرف الرئيسي في العدوان غير مستعد لأكثر من تمنية «الجنوبيين» بالحلم الانفصالي.
________________________________________
محرّمات «قاعديّة»
وزع مسلحو أنصار الشريعة أشرطة «دي في دي» تتضمن مقاطع من عمليات التنظيم وأناشيده على أصحاب الكابلات في المكلا، مرغمين إياهم على بثها ضمن قنوات «الاشتراك». جاء ذلك في وقت عَرَّضت فيه هيئة الحسبة التابعة للقاعدة سبل تضييقها على المواطنين، إذ إنها باتت تجبر كل رجل يخرج مع شقيقته إلى السوق على إبراز هويته وهوية قريبته، وفي حال كان الثنائي زوجياً فالمفروض عليهما إبراز ورقة العقد إلى جانب الهويتين. أما المرأة بمفردها فحرام عليها البروز من مواضعها من دون محرم.
المحرمات «القاعدية» تشمل أيضاً منع تخفيف اللحى وإطلاق مكبرات الصوت في حفلات الزفاف، فضلاً عن التحدث بأمور الدين بما ينافي اعتقادات «أنصار الشريعة». قبل حوالى أسبوعين، ضبطت هيئة الحسبة الطالب في جامعة حضرموت فوزي بن حويل وعدداً من رفاقه عندما كانوا يتحدثون عن فوائد تطبيق العلمانية في اليمن، وعلى الأثر اقتيد بن حويل وزملاؤه إلى أحد مقار القاعدة، حيث لا يزال مصيرهم مجهولاً.
سبق تلك الخطوة إقدام التنظيم على جلد فتى قاصر في ساحة مسجد الشهداء بالمدينة «بجرم الزنا»، فضلاً عن جلد شابين آخرين «بتهمة سب الدين”. حكم كان قد نزل أيضاً ليلة رأس السنة بحق عشرة مواطنين بعدما أدينوا بشرب الخمر. إثرها بأيام فقط، نفذت هيئة الحسبة حكم الرجم حتى الموت على امرأة في ساحة المؤسسة الاقتصادية بتهمتي تناول المسكر والزنا.
داعش» يزاحم «القاعدة» في اليمن
 
هل تعلق السعودية بمزيد من الشباك؟ 
شرّع العدوان الساحة الجنوبية في اليمن أمام تنافس تنظيمي «القاعدة» و«داعش» على السيطرة والنفوذ؛ فبعد تمدد «القاعدة» على الشريط الساحلي الجنوبي من المكلا إلى عدن، ظهر «داعش» على الساحة من بوابة المؤثرات الإعلامية الضخمة، مطلقاً معادلة عسكرية وأمنية جديدة تنذر بانعكاسات أكيدة على المسار السياسي للأزمة اليمنية مستقبلاً
دعاء سويدان 
 
كان بإمكان الجاهلين بمعطيات الزمان والمكان، أو أصحاب الأحكام المتسرعة في أحسن الأحوال، أن يصدقوا اجتماع القوى المناوئة لحركة «أنصار الله» في جنوب اليمن على كلمة واحدة. كل سياقات المرحلة التي جرت فيها استعادة السيطرة على المحافظات الجنوبية ومتعلقاتها، أنبأت بخليط هجين موالٍ للعدوان، سرعان ما ستتحلل مكوناته. هذه البوادر لم تحتج إلى أكثر من أسابيع معدودة حتى استحالت واقعاً مكتمل الأركان ومتخماً بالسيناريوات المشؤومة.
المفارقة، أن الطرف الذي سجل السهم الأعلى في «اكتتاب تحرير الجنوب» ودفَع الفاتورة الأغلى من دماء أبنائه وحمّل أهل جلدته جميع التبعات الكارثية لذلك، أي «الحراك الجنوبي»، لم ينل من «مُمنّنيه» بحلم الاستقلال أكثر من بنادق وبطانيات ومناصب غير ذات فعالية. هكذا، استُبعد «الحراك الجنوبي» من مراكز القوة والقرار كافة، في حين عوملت قياداته ورموزه بأقصى درجات الابتزاز من السعودية. في المقابل، كان السلفيون والإخوانيون والقاعديون يوسعون دوائر نفوذهم حتى غدوا العناصر الرئيسية في فسيفساء المشهد الجنوبي.
ويبدو أن قواعد هذا التوسع تتجه نحو مزيد من التشظي والحروب البينية، في ظل دخول «داعش» على خط النار وتثبيته موطئ أقدام له في غير منطقة من مناطق الجنوب. ولاحت أولى علائم الدخول المذكور في التاسع عشر من شهر تشرين الثاني الماضي. آنذاك، نشر التنظيم عبر الإنترنت تسجيلاً مصوراً بعنوان «إلى أين تذهبون يا قاعدة اليمن؟»، وتضمن هجوماً حاداً على فرع «القاعدة» في اليمن واتهامه بتقديم التنازلات تحت اسم «المصلحة» وتسليم المناطق «المحررة من الحوثيين» لـ«حكام الطواغيت»، بدلاً من «الحكم فيها بشرع الله».
وتضمن الشريط المصور اتهام «القاعدة» بـ«التعاون مع اللجان الشعبية (المجموعات المسلحة التابعة للرئيس الفار عبد ربه منصور هادي) في أبين وتسليمها إلى معسكرات المكلا ومينائها للمجلس الأهلي». الأخير نال نصيبه أيضاً من هجوم «داعش» الذي انتقد زيارة رئيسه للسعودية و«مقابلته الحكومة اليمنية» تحت مرأى «القاعدة». وإذ دعا التنظيم إلى «قتال حكومة هادي وقوات التحالف والمقاومة الشعبية»، انتقد بكلام لاذع زعيم «القاعدة في جزيرة العرب»، قاسم الريمي، ومعه السلطات السعودية، حاضّاً المسلحين القاعديين على الالتحاق بركب «الخلافة» ومبايعة أبي بكر البغدادي.
هجمات ودعوات سرعان ما تحولت إلى خطوات عملياتية. فلم تكد تمر 24 ساعة على نشر التسجيل حتى شن مسلحو «داعش» غارة على معسكر لقوات «الشرعية» في مدينة شبام في محافظة حضرموت، متسببين بمقتل أكثر من ثمانية عشر جندياً من العناصر الذين كانوا متمركزين هناك. الغارة التي وصفت بأنها الأولى من نوعها لمقاتلي «داعش» في حضرموت، شرعت الأبواب أمام التساؤلات المتعلقة بوجود التنظيم في تلك المحافظة.
وتفيد المعلومات الواردة من جنوب شرق اليمن بأن مسلحي «داعش» المتوزعين بين جنسيات يمنية وسورية ومغربية، بالدرجة الأولى، يتمركزون في الضواحي والهضاب القريبة من مدينة شبام. ويتمركز مسلحو التنظيم كذلك في مديريات وادي حضرموت الممتد من صحراء الربع الخالي شمالاً إلى مدينة سيحوت، الواقعة على بحر العرب جنوباً.
ما تقدم ليس بالضرورة أن يؤدي إلى القول إن عناصر «داعش» يحكمون قبضتهم على المديريات المشار إليها برمتها، وإنما ينتشرون في بقع لا تلبث تكبر. ووفق المعطيات المستقاة من الميدان، يخضع مسلحو التنظيم لتدريبات مكثفة في معسكر أنشأوه قبل أشهر في منطقة قف الكثيري في صحراء حضرموت المحاذية للحدود مع السعودية. هذا المعسكر افتتح على أيدي مجموعة من عناصر «القاعدة» بقيادة جلال بلعيدي، أعلنت انشقاقها عن التنظيم وانضمامها إلى «داعش» ومبايعتها البغدادي؛ مبايعة فجرت خلافاً عميقاً داخل «القاعدة» بين أتباع بلعيدي ومشايعي أيمن الظواهري، وخصوصاً في وادي سر في حضرموت، وهو الوادي الرئيسي في المحافظة الأكبر على مستوى اليمن، حيث يتغلغل مسلحو «داعش» في مديرياته الست عشرة، وفي مقدمها تريم وسيئون والقطن.

لا رؤية لدى الرياض إزاء مستقبل الجنوب ... والإمارات تميل إلى الإدارة الذاتية

بالمحصلة، فإن هذا واقع يثير المخاوف لدى «القاعدة» من سقوط معقله الأساسي في مدينة المكلا المطلة على بحر العرب، برغم أن مسافات شاسعة تفصل المدينة عن وادي حضرموت. من هنا تأتي مساعي القاعديين في تحصين عاصمة حضرموت التي سقطت بين أيديهم في شهر حزيران الفائت. وهجومهم المباغت على مدينتي زنجبار وجعار في محافظة أبين في الثاني من الشهر الجاري جزء رئيسي من تلك المساعي، لأن المدينتين المذكورتين تبعدان نحو خمسين كيلومتراً فقط عن عدن، ما يعني أن السيطرة عليهما ستؤدي إلى تشكيل شريط ساحلي ممتد من عدن إلى سواحل أبين إلى المكلا. سيطرة «القاعدة» على عاصمة أبين وجارتها، احتزت أول ما احتزت، رأس «المقاومة الشعبية». وقد قتل مسلحو «أنصار الشريعة» نائب قائد «المقاومة» علي السيد، في المحافظة وفجروا منزله، فيما توعدت الجماعة في بيان وزعته على المساجد قائد القوات الموالية «للشرعية»، عبد اللطيف السيد، بالقتل بتهمة «ضرب المجاهدين وأذيتهم وطعنهم في ظهرهم»، ورصدت «أنصار الشريعة» مكافأة قدرها سبعة ملايين ريال لمن يقتل السيد أو يتسبب بقتله، مهددة المتعاونين معه بأنهم سيكونون هدفاً للتنظيم.
ولا يبدو هدف السيطرة على كامل جنوب اليمن ميسراً من دون القضاء على القوى المحلية التي قد تشكل عنصر تهديد. وعليه، لا يبدو التسابق القاعدي الداعشي في تصفية رجالات هادي أو قيادات «الحراك الجنوبي» مستغرباً. بيان «داعش» الذي تبنى عملية اغتيال محافظ عدن جعفر محمد سعد، قبل ثلاثة أيام، يبين بوضوح اجتهاد المتشددين في تظهير أقصى درجات العنف الكلامي، بل تفوق البيان «الداعشي» على نظيره «القاعدي» في أبين بأشواط، واصفاً سعد بالطاغوت والمرتد ورأس الكفر، ومتوعداً «بقية الرؤوس العفنة» بعمليات «قطف».
ولا تقتصر العمليات التنافسية على التباري في القتل والترهيب، بل تمتد لتشمل مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية. في مدينة المكلا، يمنع مسلحو «القاعدة» أي أنشطة جامعية خارجة عن عباءتهم. مثلاً، كان اقتحامهم مركزاً تجارياً في المدينة قبل يومين وقمعهم حفل تخرج للطلاب والطالبات نموذجاً على ذلك، وهو يضاف إلى سلسلة انتهاكات يرتكبها مقاتلو التنظيم في عدن، حيث يعمدون إلى التضييق على الفصول الدراسية ومنع أي نوع من أنواع الحفلات.
يزاحمهم في ممارساتهم هذه مسلحو «داعش» الذين ينصبون حواجز في التواهي (ولا سيما عند المدخل الشرقي وبالقرب من المنطقة العسكرية الرابعة) ويجوبون شوارع المعلا ودار سعد والمنصورة والشيخ عثمان بسياراتهم، وخصوصاً في ساعات الليل، كما يستحوذون على مبان حكومية ويستولون على «أكشاك» بيع الصحف لتوزيع منشوراتهم، والأخطر أنهم يعملون على تجنيد مسلحين من «المقاومة الشعبية» في صفوفهم.
إزاء تلك الوقائع، تبدو السعودية وحلفاؤها في موقف حرج للغاية. فاغتيال محافظ عدن جاء ليسيل ما تبقى من ماء وجه الرياض وفريقها، في افتضاح لم تملك قائدة «التحالف» حياله إلا أن تقبل على مضض بالدفع باثنين من أبرز قادة «الحراك الجنوبي» إلى عدن، عيدروس الزبيدي وشلال علي شائع، اللذين عادا قبل أيام من زيارة طويلة لهما للسعودية والإمارات ليصيرا واحداً محافظاً لعدن والثاني مديراً لأمنها على التوالي بموجب قرار صادر عن الرئيس الفار.
هذا القرار لا يظهر أنه سيوطئ لعملية شاملة تعيد الهيبة «للحراك الانفصالي» وتمنحه فسحة من استقلالية وقدرة على التقرير، ويبرر هذا الاحتمال أن عملية دمج عناصر «المقاومة الشعبية» في الأجهزة الأمنية ستستغرق، في حال إقرارها، أسابيع إن لم يكن أشهراً. كما أن غياب الرؤية السياسية السعودية لمستقبل جنوب اليمن في ظل إصرار حراكي على الانفصال، يضاعف احتمالات التفرق من جديد، تماماً كما يضاعفها ميل الإماراتيين إلى خيار الإدارة الذاتية. وتأتي زيارة نائب الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض، لأبو ظبي حالياً، لترسل المزيد من الإشارات حول تبني الإمارات (الخصم اللدود للسلفيين) للرجل.
________________________________________
دول الخليج: مؤتمر لإعادة الإعمار بعد «اتفاق السلام»
دعت دول الخليج، يوم أمس، إلى «الإعداد لمؤتمر دولي لإعادة إعمار اليمن، بعد وصول الأطراف اليمنية إلى الحل السياسي المنشود».
وفي ختام القمة السنوية في الرياض للدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، أكدت ضرورة «وضع برنامج عملي لتأهيل الاقتصاد اليمني وتسهيل اندماجه مع الاقتصاد الخليجي».
وشدد البيان على حرص هذه الدول على «تحقيق الأمن والاستقرار (في اليمن) تحت قيادة حكومته الشرعية»، وعلى دعم الحل السياسي وفقاً للمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل وقرار مجلس الأمن 2216، «ليتمكن اليمن من تجاوز أزمته ويستعيد مسيرته نحو البناء والتنمية».
(أ ف ب)

جيش من «الدواعش» خلف قضبان آل سعود؟
 
خليل كوثراني 
 
عام وأكثر، هو عمر إعلان السعودية حربها على تنظيم «داعش» وإخوته، تحديداً منذ أن أصدر الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز أمره بتجريم القتال في سوريا والعراق أو الانتماء والتعاطف مع «داعش» و«النصرة»، وصولاً إلى قدوم محمد بن نايف على صهوة «مكافحة الإرهاب». مر ذلك كله، ولا تزال الرياض تجني ثمار إرهاب تكفيري اعتنت طويلاً بزرعه وسقايته. فهناك في السجون السعودية الخمسة، حيث يتوزع المتهمون بالغلو والتطرف، أرقام تنذر بأن ثمة جيشاً من الدواعش خلف قضبان «المملكة الوهابية» يزيد الجمر تحت الرماد اتقاداً.
4209 سجناء، رقم يهمس به لوكالة «رويترز» عقيد سعودي اكتفى بالتعريف عن نفسه بكنية «أبو سلمان»، أثناء زيارة مراسل الوكالة لإصلاحية الحاير (جنوب الرياض)، أضخم السجون السياسية في مملكة آل سعود، والأفضل لإجراء تحقيق حول «طفرة» موقوفي أتباع تنظيمات السلفية الجهادية.
في «الحائر»، إضافة إلى أربعة سجون أخرى، يقبع الآلاف من أنصار التنظيمات التكفيرية. غالبية هؤلاء من الجيل «الجهادي» الجديد، ويندر فيهم من يعود إلى الجيل القديم من الأفغان العرب أو حتى ممن قاتل في «الساحة العراقية». هم من فئات عمرية شابة. «نفر» جلهم إلى «الساحة الشامية للجهاد» في أعقاب اندلاع «الثورة» هناك، قبل أن يفلتوا من عقال النظام السعودي.
بينما يدسّ أمراء آل سعود
رؤوسهم في الرمال، يدرك «داعش» خصوبة الحجاز لطموحاته

التهم الموجهة إليهم تتنوع بين «الافتئات على وليّ الأمر والخروج عن طاعته، والسفر إلى مواطن الفتنة» (العراق وسوريا)، والمشاركة في القتال مع «الفئات الضالة» أو تقديم الدعم لها وغيرها من الجرائم المنصوص عليها في الأمر الملكي الصادر بتاريخ 3 شباط 2014. كذلك فإن المحاكمات بالجملة والمفرق مستمرة في المحكمة الجزائية في الرياض وجدة: أحكام بالسجن ومنع السفر تسطرها المحكمتان من حين إلى آخر.
قبل عامين فقط، كانت أعداد الموقوفين في مثل هذه القضايا تقل عن ذلك بكثير، ففي تشرين الثاني من عام 2013 تباهت وزارة الداخلية السعودية بانخفاض السجناء الأمنيين بنسبة 60%، ليصلوا إلى 2289 بعد أن كانوا 5501 في كانون الأول 2010، هذا الفارق الكبير هو ما تفسره بعض الوثائق والمعلومات، بتصدير هؤلاء السجناء للقتال في سوريا بداية الأحداث، وتوقيع صفقات معهم بإطلاق سراحهم مقابل السفر إلى هناك.
لكن النظام السعودي لم يتخلص في ذلك الوقت، عبر سياسته «الخرقاء»، من مجاميع المتشددين حملة جواز السفر الأخضر. معكوس تماماً هو محصول الرياض، فوفق الأرقام الجديدة. بلوغ أعداد الداعشيين الموقوفين 4209 سجناء، يعني ارتفاعاً بنسبة 84% تقريباً. أرقام إذا ما أضفنا إليها المنضمين الفعليين إلى صفوف «داعش» في العراق وسوريا، بتنا أمام جيش جرار من الدواعش السعوديين، وهو واقع يشي بخطر استثنائي يتهدد نظام آل سعود لا تضاهيه جسامة عودة الأفغان العرب بداية التسعينيات، ولا سيما في ظل قيام وتحقق «الخلافة» ذات الجاذبية لمتشربي الفكر الوهابي من مدارس السعودية ومناهجها الدينية والتعليمية. دلالات ذلك تقرأ جلية في هوية الانتحاري منفذ اعتداء مسجد الإمام الصادق في الكويت، السعودي فهد القبّاع ابن الـ23، فهو ينتسب إلى أخوال موقوفين بتهمة الإرهاب، ما يدلّ على ظاهرة متنامية تسهم في تشكّل بيئات حاضنة داخل عائلات هؤلاء السجناء، سريعة التجاوب في ظل أرضية هي بالأساس المهد الدافئ للفكر التكفيري. ما فعله النظام السعودي، في المقابل، لغسل يديه من تنامي التنظيمات التكفيرية، وضبط إيقاع لعبتها بعيداً من حدود مملكة آل سعود، لم يتعدّ بضع حملات لم يعثر لها على أثر يذكر، مثلما أخفق الأمر الملكي لعبد الله في شباط من العام الماضي في ردع أفواج التكفيريين السعوديين من الانخراط في «القاعدة» و«داعش». وكذلك إخفاق مركز «محمد بن نايف في برنامج المناصحة والرعاية». ويكفي التذكير بمقتل إبراهيم الربيش منظر «القاعدة» وأبرز قيادييها بغارة أميركية في اليمن في 12 آذار من العام الحالي للدلالة على ما تقدم، فالربيش هو واحد من كثر تخرجوا من «برنامج بن نايف للمناصحة» قبل أن يستأنفوا نشاطهم الإرهابي. هو أيضاً زميل لأقران له تخرجوا من جامعة محمد بن سعود وبرزوا بعدها قياديين لـ«القاعدة».
يكرر هذا النظام من جديد تجربته، ولا يتردد المتحدث باسم الداخلية السعودية منصور التركي، في إعلانه الأربعاء الماضي إطلاق سراح 63 من «أصحاب الفكر المتطرف، بعدما خضعوا لدورات على أيدي عدد من العلماء والمختصين في مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية»، وذلك لما سمّاه «ظهور المؤشرات الإيجابية عليهم».
حال برنامج المناصحة هو حال حملة السكينة كذلك، فلا ينفك عبد المنعم المشوح (رئيس الحملة) يقلل من شأن الأخبار التي تتحدث عن أرقام السعوديين المنضمين إلى «داعش»، واصفاً هذه الإحصاءات بالحملة الرامية إلى تشويه صورة المملكة على حد تعبيره. لكنها محاولات لا تصمد أمام ظهور هوية سعودية في كل مرة يعلن فيها «داعش» تنفيذ هجوم انتحاري.
وفي الوقت الذي يدسّ فيه أمراء آل سعود رؤوسهم في الرمال، يدرك «داعش» جيداً خصوبة «أرض الحرمين» لتمدد طموحاته، لذا لا يتردد «خليفته، أبو بكر البغدادي» في مناداة أحفاد محمد بن عبد الوهاب واثقاً بـ«أبناء التوحيد» و«أهل الولاء والبراء». أمراء قصور جدة والرياض اليوم أمام جيش من الدواعش متغلغل في مملكتهم... فهل ينجح «فرانكشتاين» في ترويض وحشه ثانية؟