الجمعة 17 أيار 2024

تقارير وتحقيقات

هل "البحر الأسود" المنطقة الآمنة لروسيا في نزاعها مع الغرب؟


التهار الاخباريه –  موسكو 
إن الصراع على البحر الاسود  لم يهدأ على مر التاريخ، قط بين الغرب وروسيا، التي تعتبره منطقة نفوذ خاص تحظى بأهمية جيوسياسية وفي ذات الوقت عازل أمني عن منافسيها الغربيين.
ويقع البحر الأسود على مفترق طرق مهم بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، إذ يحتل موقعاً استراتيجياً بين جنوب شرق أوروبا ويمتد إلى روسيا وجورجيا نحو آسيا، وتطل عليه أربع دول أخرى هي تركيا وبلغاريا ورومانيا وأوكرانيا، ويرتبط بالمحيط الأطلسي عبر البحر المتوسط، الذي يتصل به عن طريق مضيق البوسفور وبحر مرمرة وبحر إيجه في الركن الجنوبي الغربي للبحر. 
كما يرتبط "البحر الأسود" شرقاً ببحر آزوف عن طريق مضيق كيرتش، وبالإضافة إلى خطوط أنابيب النفط والغاز وكابلات الألياف الضوئية التي تمتد على طول قاع البحر، تمر مئات السفن على السطح حاملةً الأشخاص والبضائع يومياً.
توترات عسكرية
اندلعت ، مواجهة بين القوات الروسية ومدمرة بريطانية قبالة شبه جزيرة القرم، التي تحتلها روسيا منذ عام 2014. وقالت موسكو إنها أطلقت طلقات تحذيرية، وألقت قنابل في مسار مدمرة بريطانية اخترقت مياهها الإقليمية قبالة سواحل القرم، التي تقول بريطانيا ومعظم بلدان العالم إنها تابعة لأوكرانيا. 
ودافع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في أعقاب الحادث، عن الطريق البحري الذي كانت تسلكه المدمرة "ديفندر" التابعة للبحرية الملكية، قائلاً رداً على أسئلة محطات بريطانية، "لا نعترف بضم القرم، كان ذلك غير قانوني، وهذه مياه أوكرانية ومن الصائب تماماً استخدامها للتوجه من نقطة إلى نقطة أخرى".
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، إن حادثة المدمرة البريطانية لم تكن لتثير صراعاً عالمياً حتى لو أغرقت روسيا السفينة، لأن الغرب يعلم أنه لا يمكنه الفوز في مثل هذه الحرب، ما يشير، بحسب وكالة أسوشيتد برس، إلى عزم بوتين على زيادة المخاطر في حالة وقوع حادث مماثل مستقبلاً.

صراع تاريخي
على مر التاريخ، أثبت البحر الاسود  أنه واحداً من أكثر المواقع أهمية من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة أوراسيا الأوسع. وبحسب مراقبون إن نهج روسيا في التعامل مع البحر الأسود يعتمد على تاريخ طويل من المواجهة مع القوى الكبرى في أوروبا وعلى التنافس الجيوسياسي مع تركيا.
 وتشمل أهدافها درء أي تهديد من حلف شمال الأطلسي (ناتو)، سواء للأراضي الروسية نفسها أو معقلها الاستراتيجي في شبه جزيرة القرم. كما أنها تريد تقويض تماسك الحلف من خلال محاولة تأجيج الانقسامات بين أعضائه على طول البحر الأسود، ومنع أوكرانيا وجورجيا من الانضمام إليه.
موسكو ترى أن منطقة البحر الأسود حيوية لاستراتيجيتها الجغرافية الاقتصادية؛ لإظهار القوة والنفوذ الروسيَين في البحر المتوسط ، وحماية روابطها الاقتصادية والتجارية مع الأسواق الأوروبية الرئيسية، وجعل جنوب أوروبا أكثر اعتماداً على النفط والغاز من روسيا. 
كما تدرك روسيا جيداً احتمالية تدفق التوترات القادمة من الشرق الأوسط إلى الداخل لديها- ولا سيما شمال وجنوب القوقاز – وتنظر إلى هذه الكتلة المائية باعتبارها منطقة أمنية عازلة مهمة، وتحميها من التقلبات التي يمكن أن تنبع من الجنوب.
 روسيا ودول الناتو
يمثل البحر الاسود منطقة ذات أهمية قصوى "بالنسبة إلى الولايات المتحدة  الامريكيه وناتى الأهمية الاستراتيجية للبحر الأسود  التى تنبع من قضيتين،
 أولاً التزام واشنطن بموجب معاهدة الناتو إذ أن ثلاث دول من أصل ست تطل على البحر الأسود (تركيا وبلغاريا ورومانيا) هم أعضاء في الحلف، في حين تشارك دولتان أخريان (أوكرانيا وجورجيا) في برنامج الناتو للشراكة من أجل السلام، كما أن جورجيا تحديداً مرشحة رسمي للانضمام للحلف.
وثانياً، تعتمد روسيا، أحد أكبر الخصوم الجيوسياسيين لأميركا، على منطقة البحر الأسود في مجالات الطاقة والتجارة والأمن والاقتصاد، ومن ثم لطالما اعتبرت هيمنتها على منطقة البحر الأسود مسألة بقاء وطني. وتستخدم روسيا أيضاً قواعدها في البحر الأسود، التي يقع الكثير منها في شبه جزيرة القرم، لشن عمليات عسكرية أبعد من ذلك، في سوريا مثلاً.
وتجدر الإشارة إلى أن القرم ليست الاحتلال الروسي الوحيد على طول شواطئ البحر الأسود، فمنذ الغزو الروسي لجورجيا عام 2008، تحتفظ موسكو بوجود عسكري كبير في منطقة أبخازيا الجورجية - حوالي 4000 جندي - والتي تمتد لمئات الأميال من الساحل على البحر الأسود.
اتفاقية مونترو
تُقيّد اتفاقية مونترو لعام 1936 وجود الدول غير المطلة على البحر الأسود، إذ منحت الاتفاقية تركيا السيطرة على مضيقَي البوسفور والدردنيل، ووضعت قيوداً على عدد ووقت عبور ووزن السفن التابعة لبحرية الدول غير المطلة على البحر الأسود. فعلى سبيل المثال، وفقاً للاتفاقية، يجب ألا يزيد حجم السفن الحربية التابعة لدول غير المطلة على البحر الأسود في المضيق عن 15000 طن، ولا يجوز عبور أكثر من تسع سفن حربية تابعة لدول غير البحر الأسود، بإجمالي حمولة 30 ألف طن، في أي وقت، ويُسمح لها بالبقاء في البحر الأسود
استراتيجية فعالة
في ظل النفوذ الروسي المتزايد والمتشدد على البحر الأسود، يشير مراقبون إلى أن موسكو ستسعى إلى تنسيق مزيد من التقارب مع تركيا لكسب المزيد من النفوذ على المضائق التركية. و"بالنسبة إلى روسيا، لم تتغير العوامل الجيوستراتيجية لمنطقة البحر الأسود منذ عام 1853، حيث حل الناتو والولايات المتحدة مكان الدول الأوروبية الفردية كمنافسين جيوسياسيين رئيسيين لها، ومن ثم أصبحت القرم هي المصدر العسكري، وتركيا هي المحور، والمضائق التركية هي الإنتاجية الاستراتيجية والهدف النهائي هو الوصول إلى شرق البحر المتوسط والوجود العسكري فيه كقوة موازية لتوسع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي شرقاً ووجودهما في بحر إيجة ووسط البحر المتوسط".