الأحد 19 أيار 2024

تقارير وتحقيقات

مكبات عشوائيه وازمة نفايات تهدد صحة وسلامة اللبانين

النهارالاخباريه- بيروت 
مشهد النفايات المنتشرة على جوانب الطرق في لبنان، هو نفسه منذ نحو السنوات الست. فهو مؤشر على فشل الدولة والمجتمع في إدارة هذا الملف الذي يشكل قنبلة موقوتة أمام الحكومة الجديدة. وفي وقت بلغت المكبّات الرئيسة مرحلة الاستيعاب القصوى، تتفاقم أزمة المكبات العشوائية التي تنتشر في القرى. وفي ظل غياب استراتيجيات المعالجة تبرز السلوكيات البدائية من قبيل حرق النفايات، أو دفنها ورميها من دون معالجة. وجاءت الأزمة الاقتصادية لتزيد من وطأة المشاكل البيئية.
تعتبر أزمة النفايات متجذرة في لبنان، فيما تحظى طرق المعالجة بمكانة ثانوية. وشكل عام 2015 مرحلة مهمة في تاريخ الانفجار البيئي. ففي تلك السنة اندلعت موجة كبيرة من الاحتجاجات الشعبية في وجه الفشل الرسمي. وآنذاك، اعتمدت الحكومة خطة طارئة لمعالجة النفايات، من خلال إنشاء مكبات مركزية مؤقتة في مناطق ساحلية عدة. ولكن، ككل شيء في لبنان، تحوّلت الحلول المؤقتة إلى دائمة، وراحت المكبات تتسع أفقياً وعمودياً عند شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وبقيت الوعود بالحلول العلمية الدائمة رهينة الاختلافات بين القوى السياسية.
اليوم، تغيب الخطط الجدية عن أرض الواقع. في المقابل، تعود النفايات إلى الشوارع في مختلف الأراضي اللبنانية، فيما انعكست أزمة شح الدولار مباشرة على الشركات الملتزمة بالمطامر بموجب عقود مع مجلس الإنماء والإعمار، وتراجعت حماسة المشغلين بسبب انخفاض الأرباح وارتفاع مخاطر عدم تحصيل الديون في ذمة الدولة. ففي منطقة بيروت، كان يستقبل المكب نحو 400 طن نفايات يومياً، بمعدل 70 إلى 80 نقلة نفايات يومياً في شهر يوليو (تموز)، انخفضت في أغسطس (آب)، وصولاً إلى شهر سبتمبر (أيلول)، إذ تراجعت النقلات إلى المطمر بمعدل 50 طناً تتراكم في الشوارع. ويعود سبب تراكم النفايات إلى حجج عدة، من قبيل عدم تأمين المحروقات أو عدم توافر الاعتمادات الكافية لدى الشركات المتعاقدة. ناهيك بشكوى أهالي بيروت من تراجع عدد الكناسين وجامعي النفايات في الطرق.
وتؤكد الأوساط أن عمليات الفرز في بيروت الكبرى تأثرت إلى حد كبير بسبب تأثر معمل الفرز في الكرنتينا بانفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس. لذلك، أصبحت النفايات تُطمر من دون عملية فرز.
ويتضح أنه بعدما امتلأ مطمر برج حمود، باتت تُحوّل النفايات إلى مطمر الجديدة، الذي امتلأ أيضاً، وهو يستقبل نفايات منطقتي المتن وكسروان. فيما يستقبل مطمر كوستابرافا نفايات بيروت، وتتجه نفايات بعبدا وعاليه إلى مكب العمروسية.
ويعد هذا الأمر تكراراً لما حدث في طرابلس إبان انتخابات 2018، عندما تم ضم قطعة أرض إلى المكب القائم لاستقبال الكميات الإضافية من النفايات، وعدم تركها في الطرق لعدم تأجيج الرأي العام.
بين معامل فرز لا تفرز، ومطامر صحية لا تستوفي شروط العزل، وعمليات تسبيخ غير مكتملة، تبقى حلول مشكلة النفايات بعيدة المنال. وتؤكد المتخصصة في الشأن البيئي، ميرفت الهوز، أن جوهر المشكلة هو اعتماد الخطط الطارئة، وغياب استراتيجيات الحلول العلمية وبعيدة الأجل. وتشبّه الخطة الطارئة بحبة المسكّن التي لا يمكن اعتبارها علاجاً للمرض، لذلك يؤدي غياب الاستراتيجية الدائمة إلى عودة المشكلة للظهور بين الفينة والأخرى. وتقول إن الدولة تضع البيئة في آخر اهتماماتها، لذلك يتم تغييب الخبراء البيئيين عن سدة المسؤولية والوزارة.
وترفض الهوز اعتماد المكبات لأنها ليست حلاً، فقد استغنت عنها الدول المتقدمة في العالم، والانتقال إلى خطط لإدارة النفايات المتعددة. وتشير إلى "أننا لا نمتلك خطة لإدارة النفايات، بما فيها المنزلية التي تعتبر أكثرية النفايات"، لافتةً إلى سيادة مصالح التحالف السياسي والمالي على حساب الحلول البيئية.
وتتحدث الهوز عن حل متكامل من خلال تعاون القطاعين العام والخاص، واعتماد التلزيمات الشفافة، والابتعاد عن تلك التي تمنح العقود لأتباع الأحزاب السياسية. وتعطي مثالاً على ذلك ما يحدث مع مكبات النفايات في بيروت، حيث أعرب أحد كبار المتعهدين عن مغادرته البلاد ونية وقف الأعمال بسبب توقف الدولة عن دفع التزاماتها المالية الدولارية.
وفي ظل غياب الحلول العلمية المستدامة، انتشرت عشرات المكبات في مختلف المناطق اللبنانية، وتهدف إلى جمع النفايات وإخراجها من المدن والبلدات، لرميها من دون معالجة في مواقع طبيعية مختلفة. وتنتقد الهوز مقولة "إنشاء مطامر صحية"، لأنه من الناحية العلمية لا يوجد مطمر صحي في البحر.
ولا تتوقف المكبات العشوائية في المناطق الساحلية، إنما يتجاوزها إلى المناطق الجبلية. وتزداد المخاطر مع اعتماد أسلوب حرق النفايات المتكدسة، ما يؤدي إلى انبعاث الدخان في الأرجاء. وتجزم الهوز أن "هذه الانبعاثات سرطانية"، وتهدد صحة المواطنين وتلوث الأنهر والينابيع والمياه الجوفية.
تتنوع المخاطر الناتجة من المطامر والمكبات العشوائية للنفايات، فهي تسبب تشويهاً وتلوثاً بصرياً، بالإضافة إلى الروائح التي تصدرها النفايات العضوية، وهي عبارة عن غازات سامة تؤذي الإنسان والحيوان على حد سواء حسب المتخصص في الشأن البيئي أحمد مصطفى، الذي يتطرق إلى تأثير النفايات على المياه السطحية والجوفية، ويشير إلى تكاثر القوارض التي تقصد المكبات.
ويلفت مصطفى إلى العصارة الناجمة عن المكبات، وهي سائل مشبع بالملوثات الجرثومية والكيميائية التي يمكن أن تختلط بمياه ري المزروعات التي يستهلكها الإنسان، مشدداً على القاعدة العلمية القائلة بأن "الكائن الملوّث هو من يدفع الثمن دائماً بصورة مباشرة أو غير مباشرة".
ويحذر مصطفى من آثار المكبات العشوائية، فمن الناحية الجرثومية هناك السالمونيلا والإشياكولي والدالات البرازية الناجمة عن حفاضات الأطفال، التي تتسبب بمشاكل في الجهاز الهضمي والتهابات. وتحدث الغازات الكبريتية أذى لمرضى الحساسية والربو، وتسبب ضيق التنفس. والمعادن الثقيلة كالرصاص والنيكل والألمنيوم والزئبق تؤدي إلى أمراض سرطانية وتضرر الكلى وتؤثر في الأعصاب.
في المحصلة، تغيب الحلول عن لبنان، فتغرق البلاد بالأزمات. وبدأت بوادر أزمة جديدة من النفايات التي تهدد بيئة لبنان من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. وفي ظل هذه الصورة القاتمة، تبرز محاولات المجتمع المدني لنشر التوعية وثقافة الفرز، بالإضافة إلى التعاقد مع جهات متخصصة لإعادة تدوير واستخدام النفايات البلاستيكية، وبدء عمليات التسبيخ للمواد العضوية من أجل تحويلها إلى أسمدة للمزروعات. وبدأت حملات لتنظيف البحر من البلاستيك ونشر السلال في مرافئ الصيادين من أجل جمع النفايات والتخفيف من تلوث البحر.