الجمعة 17 أيار 2024

تقارير وتحقيقات

عندما يتحول شراء الاحذية الجديدة الى ترف!

عندما يتحول شراء الاحذية الجديدة الى ترف!

 نجيا دهشة  - وكالة النهار الإخبارية - صيدا 

تبحث العائلات الفقيرة والمتعففة  في مدينة صيدا عن أي شيء يُخفّف عنها وطأة الأزمة الاقتصادية والمعيشية تستبدل الاصيل بالتقليد وتستغني عن كثير من الاشياء كانت حتى الامس القريب من الضروريات، تحول بعضها الى كمليات في إطار سياسة التقشّف، ووصل الأمر الى تصليح الأحذية القديمة، بعد تحول شراء الاحذية الجديدة الى ترف.

قرار صرف النظر عن شراء أحذية جديدة تُرجم بالإقبال على دكاكين الكِندرجية في صيدا القديمة، وتحديداً على سوق "البازركان"، لاصلاح أحذية أكل عليها الدهر وشرب، وكان يُفترض أن تُحال على التقاعد، او تُلقى مُنهية الصلاحية في حاويات النفايات.
 
تدخل الى السوق، فتطالعك الحركة الناشطة التي تستقطبها محال "الإسكافية"، وترافقك حيثما تجولت اصوات "الشواكيش"، تطرق على الأحذية بمسامير تعيد لها المتانة بعد استبدال "نعولها"، و"ماكينات الخياطة" تدرز جوانبها وداخلها لتمدد فترة خدمتها.

ويؤكد الكندرجي أحمد البزري، الذي يُزاول المهنة التي ورثها عن أبيه منذ ثلاثة عقود ونصف، أنّ "تدنّي سعر الليرة اللبنانية امام ارتفاع الدولار، اجبر الكثير من الناس لصرف النظر عن شراء أحذية جديدة وإعادة إصلاح أحذيتهم القديمة وتجديدها".
ويضيف: "لقد وصلنا الى مرحلة مُزرية، فالناس فقيرة وتأتينا بأحذية بالأساس مصنوعة من الجلد الإصطناعي او النايلون وتريد إصلاحها... في السابق كانت هذه الأحذية تُرمى بعد استهلاكها، لكنّ اليوم نعمل على لصقها وترقيعها وحِياكتها بالخيطان، وهناك من يُريد تصليح مشاية (حفاية) التي كان سعرها لا يزيد عن ثلاثة آلاف ليرة"، ليختم: "زمن رمي الأحذية القديمة ولّى الى غير رجعة، وهذه الضائقة هي المرة الأولى التي نمرّ بها".
 
سعيد الحسن، وهو أب لطفلين وأجيراً مياوماً في بيع الخرضوات، بالكاد يحصل على 15 ألف ليرة يوميا، ولا قُدرة لديه على شراء أحذية جديدة لاطفاله، يقول بحسرة: "الاسعارها خيالية وأقلّ حذاء بـ 65 ألف ليرة، وانا لا استطيع شراءه بهذا الثمن، ولا بدّ من التكيّف مع الواقع الجديد والقبول بالأمر، لانه لا خلاص لنا الا بأن يطول أمد الأزمة حتى نستطيع تأمين لقمة الطعام ونبقى على قيد الحياة".
 
في الطرف الآخر، خلع أحمد آغا حذاءه عند الإسكافي ليُصلحه، وبصوت خافت يقول: "لا أُبالغ اذا قلت انني لا أملك سوى هذا الحذاء و"مشّاية" للمنزل، ولا بدّ من إصلاحه وترميمه واتّفقت مع الكندرجي على دفع 5 آلاف ليرة مسبقا، فأنا لا استطيع شراء حذاء جديد، ولا أتصوّر أن أدفع مئة الف ليرة ثمن حذاء."
 
يستمع الاسكافي سعد كيوان الىكلامه، ينهمك في تصليح وخياطة زوجين من الأحذية في مهنة مايزال يداوم عليها منذ أكثر من 40 عاماً، لم يُخفِ تعجّبه الشديد، اذ انّها المرّة الاولى في تاريخ عمله يقصده ناس تحمل أحذيتها وتريد تصليحها.. كانت تُرمى من قبل".. يحمل حذاء نسائياً مصنوعاً من الجلد الإصطناعي وقد انشطر قسمين، طلبت صاحبته إعادة لصقه وخياطته، ويقول وهو ينعى جلد النعل الطبيعي، "النعل المصنوع من الكاوتشوك حل بديلاً عنه وباتت تكلفة تركيب نصف نعل للحذاء 30 ألف ليرة، بينما كانت تكلفته سابقاً 10 آلاف ليرة".
 
تغادر السوق على خلاصة، إنّ الإقبال على إصلاح الأحذية في ازدياد مستمر يوماً بعد يوم، ارتباطا بالأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها المواطنون الفقراء ومن ذوي الدخل المحدود، وانخفاض ثمن رتق الأحذية وخياطتها، مقارنة بشراء واقتناء الأحذية الجديدة التي تتميز بارتفاع أسعارها غالباً وسوء جودتها في كثير من الأحيان كالأحذية الصينية المستوردة التي أغرقت الأسواق.