الجمعة 26 نيسان 2024

تقارير وتحقيقات

خيارات العرب تضيق أمام أجراس "شح المياه"


النهار الاخباريه. احمد عبد الحكيم 
تشير أحدث أرقام الأمم المتحدة بشأن الأمن المائي في المنطقة العربية، إلى أن 17 دولة في العالم العربي من أصل 22 توجد حالياً على خط الفقر المائي، من بينها 12 دولة ترزح بالفعل "تحت خط الفقر المائي المدقع"، فضلاً عن تهديد شبح الجفاف لـ16 دولة في المنطقة من أصل 33 دولة حول العالم بحلول عام 2040، كما تقول كذلك أحدث أرقام منظمة الأغذية والزراعة الأممية (الفاو) إن "نصيب الفرد الواحد من المياه العذبة في المنطقة العربية يبلغ فقط 10 في المئة من متوسط استهلاك الفرد عالمياً (يقدر بـ1000 متر مكعب سنوياً) إذ تستهلك الزراعة أكثر من 85 في المئة من الموارد المائية المتاحة (وتستهلك الصناعة نحو7 في المئة)، محذرين من "كارثة مائية محدقة في المستقبل القريب" ما لم يتم تدارك الأمر سريعاً.

وفي إحصاءات البنك الدولي، تشير الأرقام إلى أن أكثر من 60 في المئة من سكان المنطقة يتركزون في الأماكن المتضررة من الإجهاد المائي الشديد أو الشديد جداً، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ حوالي 35 في المئة. معتبرة أن ندرة المياه المرتبطة بالمناخ قد تسبب خسائر اقتصادية تقدر بنحو 6 في المئة -14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050، وهي النسبة الأعلى في العالم.

وفيما تخيم أجواء الصراعات السياسية على مصادر المياه الرئيسية في المنطقة كما هو الحال في مصر والسودان الأزمة مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، وقلة مناسيب المياه التي باتت تضرب كلاً من العراق وسوريا على خلفية السدود التركية على نهرَي دجلة والفرات، فضلاً عن المناخ القاحل الذي تعيشيه أغلب بلدان المنطقة، تكثر الأسئلة حول أي مستقبل ينتظر الدول العربية المهددة بالعطش ووصول بعضها إلى مرحلة ما دون الفقر المائي؟، إضافة إلى أي دور يمكن أن تلعبه التكنولوجيا في حماية الأمن المائي العربي؟، وذلك في وقت يوصي به المختصون بسرعة في اعتماد ما بات يعرف بـ"التجارة في المياه الافتراضية" كخطوة لمعالجة خطر الشح المائي في منطقة الشرق الأوسط، والتي لا تحتوي سوى على أقل من 2 في المئة فقط من الموارد المائية السطحية في العالم.
 أغلب التقارير الدولية والأممية المعنية بالمياه خلال السنوات العشر الأخيرة، لا تخلو تلك التقارير من "نداءات عاجلة وملحة"، زادت حدتها في السنوات الخمس الأخيرة، للسلطات العربية بضرورة التعاطي مع قضية "الشح المائي وندرتها في المنطقة" لتجنب التداعيات المستقبلية الخطرة التي تحوم بشكل متسارع في أجواء المنطقة.

ويقول تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العام 2017، إن "المنطقة العربية تواجه تحديات تفرضها الندرة المائية تتطلب مجابهة سريعة وجدية"، معتبرة أن التصدي لتحديات المياه دون إبطاء من شأنه تعزيز قدرة الدول العربية على إدارة مخاطر الأزمات المحتملة التي يمكن أن تنشأ عن تقاعسنا عن التحرك، من هجرات غير مخطط لها، وانهيارات اقتصادية، وصراعات إقليمية". فيما يعتبر تقرير للبنك الدولي عام 2018، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "مهددة بالاستخدام غير المستدام للمياه، حيث تجاوز أكثر من نصف عمليات سحب المياه الحالية في بعض البلدان الكمية المتاحة طبيعياً. وعلى المدى البعيد، قد يكون لذلك عواقب وخيمة على نمو المنطقة واستقرارها. ولذلك فإن التوصل إلى حلول لتضييق الفجوة بين العرض والطلب على المياه يُعد من الأولويات العاجلة".

وبحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، فإن "العلاقة المعقدة بين ندرة المياه والأمن الغذائي والطاقة في المنطقة تعمّق من الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لأزمة المياه في الدول العربية"، معتبرة أن الموارد المائية في المنطقة تتعرض لضغوط متزايدة بسبب الارتفاع السريع في الطلب وتغير المناخ وتأثير النزاعات وتصاعد التحديات. الاقتصادية، ما يعني أن "إدارة المياه في المنطقة باتت تشهد ظروفاً صعبة ومحفوفة بالمخاطر".

وتوضح هيلين كلارك، مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "على الرغم من أن كثيراً من بلدان العالم تواجه تحديات متنامية من شأنها أن تهدد نوعية المياه وكميتها، مثل تغير المناخ، إلا أن هذه التحديات تثير القلق بشكل خاص في المنطقة العربية، إذ وصلت معدلات ندرة المياه بالفعل إلى مستويات حادة"، معتبرة أنه "من المتوقع أن تسهم زيادة الطلب على المياه بسبب زيادة السكان والتوسع في النمو الاقتصادي في تعميق ما يصفه كثير من الخبراء بـأزمة المياه الإقليمية"، وهو الأمر الذي يتطلب "التعامل مع أزمة المياه العربية باعتبارها مسألة ملحة وذات أولوية".

هل من حلول لمواجهة الشح المائي؟

في ظل التحديات الكبرى التي تهدد مورد المياه المهم بالنسبة إلى الحياة والتي تضاعفها الزيادة السكانية والتغير المناخي واستمرار النزاعات وموجات الهجرة، يوصي العلماء والمختصون بانتهاج ما بات يعرف منذ أوائل القرن الحالي بـ"تجارة المياه الافتراضية"، كإحدى الآليات المحورية للمساهمة في ترشيد استخدام المياه والحفاظ عليها من النضوب، فضلاً عن استخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة في معالجة المياه المستخدمة وتدويرها.

وهدف مفهوم "المياه الافتراضية" بشكل عام، الذي ابتدعه عالم المياه السويدي توني آلن في العام 1993، ورأى النور في بدايات الألفية الجديدة، للعمل على حل مشكلة محدودية الموارد المائية في المناطق الجافة وبالأخص منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إذ يعرّف، وفقاً لآلن، على أن "المحتوى المائي في أي منتج، أي المياه المستخدمة في المراحل المختلفة للإنتاج". التي تشمل المياه المستخدمة في إنتاج وتجارة الأغذية وغيرها من المنتجات الاستهلاكية منذ زراعتها وصولاً إلى شكلها النهائي. ومن ثمّ تتمحور "تجارة المياه الافتراضية"، حول أنها "توسيع الواردات الغذائية الكثيفة الاستخدام للمياه، والعمل على تحقيق التكامل الزراعي الإقليمي من أجل تحقيق الأمن الغذائي الوطني".

وفيما تشير التقديرات على سبيل المثال، إلى أن "فنجاناً واحداً من القهوة" يستهلك نحو 150 لتراً من المياه (كمية المياه المستخدمة لزراعته وإنتاجه وتعبئته وشحنه ونقله) ويحتاج إنتاج كيلو غرام واحد من القمح إلى 1300 لتر من المياه، وإنتاج كيلو غرام من اللحم إلى 15000 لتر من المياه، يرى البنك الدولي، أنه من خلال اعتماد دول الشح المائي على "تجارة المياه الافتراضية"، عبر تقليل زراعة المحاصيل الكثيفة في استخدام المياه، باستيرادها من الدول ذات الوفرة المائية، يمكنها تحقيق الكفاءة في استخدام المياه والحد من ندرتها، مع الأخذ في الاعتبار أن التجارة في المياه الحقيقية مكلفة بدرجة كبيرة، ومن ثم فإن الأكثر معقولية استيراد المياه من خلال استيراد الغذاء بدلًا من استخدام عنصر المياه النادر، وذات التكلفة المرتفعة في إنتاج كل غذائها السنوي.

وبحسب الأمم المتحدة، فإن البلدان العربيّة مضطرّة إلى الحصول على المياه من خلال استيراد الموادّ الزراعية التي تتطلب كميات كبيرة منها. مضيفة: "لأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تستورد نصف حاجاتها من الحبوب، فإن استيراد المياه الافتراضيّة يصبح أمراً لا مناص منه"، وهو ما يساهم في دول المنطقة في تحقيق الأمن الغذائي على الرغم من ندرة مواردها المائية المحلية.

ثانية تلك الآليات لترشيد استهلاك المياه، يقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إنها تكمن في الاستثمار في أساليب مبتكرة لرفع مستوى الموارد المائية لتلبية الطلب المتزايد باطراد عليها، لا سيما في استخدام الموارد المائية غير التقليدية ومن بينها تحلية مياه البحر، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، واستجماع مياه الأمطار، الاستمطار الصناعي، وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي 

كما توصي الأمم المتحدة كذلك، بانتهاج "الحوكمة المائية"، الممثلة في قضايا العدالة والشفافية، والمساءلة، والاستدامة البيئية والاقتصادية، ومشاركة أصحاب المصلحة المعنيين وتمكينهم، إضافة إلى القدرة على الاستجابة لاحتياجات التنمية الاجتماعية والاقتصادية إذ إن الحوكمة يمكنها أن تضمن ممارسات فعالة في مجال إدارة الموارد المائية عبر إعادة توجيه السياسات 

بعمليات البحث والتطوير، كذلك تؤكد أنه من خلال تحليل فعالية التكلفة يمكن تعيين القيمة الحقيقية للمياه، وتحديد بدائل السياسات الاجتماعية، والاقتصادية والبيئية الأكثر فاعلية من حيث التكلفة.

ويقر كل من كلوديا سادوف، المدير العام للمعهد الدولي لإدارة المياه، وأندرس جاجيرسكوج، كبير خبراء إدارة الموارد المائية في قطاع الممارسات العالمية للمياه في البنك الدولي، إنه وعلى الرغم من التحديات المائية التى تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلا أن حلول مشكلة ندرة المياه تبقى في متناول اليد، موضحَين في دراسة لهما نشرها البنك الدولي، في العام 2017، أن التحدي "يتمثل في تعجيل وتيرة تطوير الابتكار ونشره من أجل الإدارة المستدامة للمياه، وهو ما يتطلب بدوره وعياً مائياً جديداً، ويقرّان أن الجميع، من فرادى المزارعين والمستهلكين إلى الشركات والهيئات العامة، يتحملون المسؤولية عن التغلب على ندرة المياه".

ويرى باسكوال ستيدوتو، مدير البرنامج الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو"، "أن التصدي لتحديات المياه والهشاشة في المنطقة العربية، يتطلب الجمع بين الاستجابة الفورية للاحتياجات الأساسية للناس وتبني نهج طويل المدى يهدف إلى بناء القدرة على الصمود تجاه الصدمات والأزمات الممتدة. وينبغي أن تعتمد الأخيرة على إدارة الموارد المائية وتقديم الخدمات بطريقة مستدامة وفعالة وعادلة"، موضحاً أن "الاستثمار في السياسات والممارسات المبتكرة أمراً حيوياً، حيث يمكن أن تساهم عملية تطوير التكنولوجيا ونقلها في توفير مزيد من التحسينات في كفاءة المياه وإنتاجية المحاصيل في المنطقة. كما يمكن أيضاً أن تعزز قدرة النظم الزراعية على الصمود بشكل كبير".

ووفق ما تقوله الفاو، فإن "العمل الجماعي بين البلدان وعبر الحدود يمثل أمراً ضرورياً، إذ يُعتبر العمل الجماعي والشراكات أمرين ضروريين بالنظر إلى نطاق التحديات وتشابهها، والطابع العابر للحدود لمسائل مهمة مثل تغير المناخ والموارد المائية المشتركة".