الأربعاء 24 نيسان 2024

تقارير وتحقيقات

الأسرى الفلسطينيون المضربون عن الطعام وصلوا مرحلة الخطر


النهار الاخباريه رام الله 
  ما إن ينخفض عَداد الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية وتحديدا من أصحاب تجربة الاعتقال الإداري إلا ويرتفع، إنه عداد لم يتوقف طوال أشهر ماضية، والأمر مرشح أن يستمر لأشهر مقبلة أيضا في ضوء تصاعد السياسات الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى، ولطبيعة التجربة النضالية الفلسطينية ذاتها التي أصبحت تقوم على الفعل الفردي بدلا من الجماعي، ولطبيعة مواقف الإسناد الجماهيري الفلسطيني تجاه المضربين التي أصبحت توصف بأنها «محلية ومركزة».
وأمام حالة ارتفاع وانخفاض أعداد المضربين عن الطعام أملا بالحرية هناك أسرى وصلوا في إضرابهم عن الطعام مرحلة الخطر، من هؤلاء الأسيرين مقداد القواسمة (94 يوما) وكايد الفسفوس (100 يوم) بالإضافة إلى أربعة أسرى آخرين وصلوا مرحلة الخطر حسب الباحثة ومسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني أماني السراحنة.
ويبلغ عدد الفلسطينيين المعتقلين إداريا نحو 520 معتقلا، من بين نحو 4600 أسير، ويمكن تعريفه بأنه حبس لمدة تراوح بين 4 إلى 6 أشهر من دون محاكمة، ويعتمد على ملف سرّي تقدمه المخابرات الإسرائيلية، ويتم تجديده مرات متتالية.
إجبار على التغذية
القواسمة الطالب الجامعي على اعتاب التخرج أدخل إلى العناية المكثفة الثلاثاء الماضي وما زال حتى اللحظة، بسبب تدهور حالته الصحية، وسط مخاوف من تعرضه لوفاة مفاجئة.
وحسب تصريحات محامي الأسير جواد بولس، فإن الأسير القواسمة يواجه احتمالية الوفاة المفاجئة، حيث بلغ مرحلة «حرجة للغاية وفقًا للأطباء في مستشفى كابلان» الإسرائيلي، «فالأعراض الظاهرة عليه تشير إلى حصول تراجع خطير على جهازه العصبيّ، مما قد ينجم عنه أضرارا جسيمة تصيب الدماغ».
المحامي بولس أكد أن الأسير مستمر في رفض إجراء الفحوص المخبرية أو أخذ المدعمات، فيما تواصل نيابة الاحتلال رفض الاستجابة لمطلبه المتمثل بحرّيّته.
والدة الأسير القواسمي إيمان بدر قالت إن الأطباء في المستشفى حاولوا إجبار ابنها على أخذ المدعمات حيث قاموا بتربيطه مستغلين فقدانه للوعي.
أما هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين فقد أفادت بأنَ أطباء الاحتلال في مستشفى «كابلان» حاولوا تغذيته قسراً وهو مقيَّد بالسرير في قسم العناية المكثفة. ووصفت هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين سلوك الأطباء بإنه يأتي في مسعى منهم لكسر إضرابه المفتوح عن الطعام ضد اعتقاله الإداري.
ولفت بيان الهيئة إلى أنَّ وضعه الصحي يتدهور على نحو خطرٍ ومقلق.
وانتشر مقطع فيديو في موقع «تويتر» لوالدة الأسير القواسمي، وهي تزوره داخل المستشفى، ويظهر الأسير في وضع صحي خطير بحسب والدته ومحاميه جواد بولس.
وتعجز بدر عن رؤية أبنها منذ يومين لكونه في غرفة العناية المكثفة، وقالت إن ابنها لا يريد إلا حريته وأنها لا ترى في من يهتم بصحته أهلا لهذه المهمة «هناك خوف على حياته من قبل من يفترض أن يكونوا معالجين له ومحترمين حقوقه».
تبكي الوالدة بدر وتقول: «كل يوم ابني يموت، أنا مش متحملة ما يجري له.. كل يوم أنتظر ما أعتقد أنه آخر يوم، إلى متى ستستمر معاناة ابني؟ إلى أين نصل في هذه المعاناة؟».
وتكمل والدموع تملء عينيها: «حرام ذاب لحمه، لم يبق في جسده لحم».
حالة قانونية شاذة
وكان القواسمي (24 عاما) قد رفض قرار المحكمة العليا للاحتلال التي جمّدت الاعتقال الإداريّ له، في السادس من تشرين الأول/أكتوبر الجاريّ، في قرار لا يعني إلغاء الاعتقال، حيث سيبقى أسيراً ولا تتمكن عائلته من نقله إلى أيّ مكان. وحسب نادي الأسير، فأن قرار تجميد الاعتقال الإداري، يمثل فقط إخلاء مسؤولية إدارة سجون الاحتلال و»الشاباك» عن مصير وحياة الأسير، وتحويله إلى أسير غير رسمي تحت حراسة أمن المستشفى بدلًا من حراسة السّجانين.
بدوره اعتبر بولس لجوء قضاة المحكمة العليا إلى آلية تجميد قرارات الاعتقال بأمر خلق حالة قانونية شاذة، أفضت عملياً إلى ترحيل المسؤولية عنهم ونقلها إلى المستشفيات والأسرى أنفسهم.
وأكد أن الأطباء في العالم وفي إسرائيل أيضا أشاروا أنّ استمرار الأسير بإضرابه لأكثر من خمسين يوماً يعرّضه إلى احتمال الموت الفجائي.
ويرى المحامي بولس في قرار المحكمة الإسرائيلية رفض تجميد الاعتقال الإداري للأسرى بناء على تقارير طبيّة صادرة عن المستشفيات الإسرائيلية حيث لا يذكر فيها أنّ الأسرى يواجهون احتمال الوفاة المفاجئة (كما جرى مع الأسير علاء الأعرج) يُشكّل مؤشراً خطيراً على تحوّل سلبي جديد في موقف المحكمة إزاء قضية تجميد قرارات الاعتقال الإداري.
وأعتبر أن هذا الأمر سيؤدي إلى تضييق الهامش القضائي، الضيق من أصله.
مطالب بالضغط الشعبي
والدة القواسمة الموجوعة تؤكد أن قضية ابنها وغيره من الأسرى تتوقف على كمية الدعم الشعبي لمطالبهم العادلة، وتطلب، بحرقة، من الجميع العمل على توفير الدعم والمناصرة وممارسة الضغط على الاحتلال.
القيادي في حركة «الجهاد الإسلامي» خضر عدنان، اعتبر إنّ «تقييد الأسير القواسمي، وتمزيق ملابسه، ومحاولة ربطه، جريمة احتلالية بشعة».
وأضاف عدنان الذي كان على رأس مسيرة حاشدة انطلقت من ميدان ابن رشد وسط مدينة الخليل مناصرة للأسرى المضربين أنّ «الاحتلال يُفلس في مواجهة المعتقلين الإداريين المضربين عن الطعام».
وأكّد الأسير المحرر عدنان أن الطبيب أصبح سجانا كما أن المستشفى تحول إلى سجن في تجربة المضربين عن الطعام.
وانتقد عدنان موقف السلطة الفلسطينية والصليب الأحمر الدولي بخصوص ممارسات أطباء الاحتلال بحق الأسير المضرب، وطالب بـ»إصدار بيان إدانة دولي من جانب منظمة الصليب الأحمر الدولي والمنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية، ينتصر لحق الأسير الفلسطيني في الإضراب عن الطعام، ورفض أي محاولة للنيل من هذا الحق».
أما الأسير الفسفوس فيواصل إضرابه عن الطعام رغم تجميد اعتقاله الإداري إلا أنه رفض فكَّ الإضراب، مطالبًا بإنهاء اعتقاله الإداري بالكامل وليس تجميده.
نداء عاجل
آخر الأصوات المحذرة من الوضع الصحي للأسرى كان مصدرها الصليب الأحمر الدولي الذي أطلق «نداءً عاجلاً لإنقاذ حياة القواسمة والفسفوس».
إلس ديبوف، مدير بعثة الصليب الأحمر في القدس قال إن منظمة الصليب الأحمر تواصل زيارة ومراقبة أوضاع الأسيرين عن كثب، إضافة إلى بقية المعتقلين المضربين عن الطعام، بمن فيهم الأسير علاء الأعرج (78يوما).
وأكد ديبوف أن «لكل معتقل الحق في معاملة إنسانية تحفظ كرامته» كما دعا سلطات الاحتلال والمعتقلين وممثليهم إلى إيجاد حل يُجنب أي خسائر في الأرواح.
واعتبر المحامي بولس ما تقوم به إدارة السجون من نقل الأسرى المضربين إلى المستشفيات المدنية ومن ثم تعيدهم مجددًا إلى السجن محاولة لرفع العتب عنها وترحيل مسؤوليتها إلى جهات أخرى.
وأشار إلى عدم وجود طروحات قانونية جدّية وواضحة لقضاياهم، معتبرا ما تطرحه نيابة الاحتلال بأنه «غير مقنع للأسرى المضربين».
بسام الصالحي، الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني، قال في تصريحات صحافية من بلدة عنبتا التي انطلقت فيها وقفة تضامنية مع الأسير علاء الأعرج المضرب منذ 78 يوما أن ما يؤثر على موقف الاحتلال من إضراب الأسرى الذين وصلوا مرحلة الخطر هو موقف الأسير نفسه ومدى إصراره.
وتابع الصالحي: «دوما كان صمود الأسرى وتوسيع التضامن خارج السجن أمرا يجبر الاحتلال في التراجع عن مواقفه المتعنتة».
وأشار إلى أن المضربين عندما قرروا خوض هذه المعركة كانوا على وعي ومعرفة ما ينتظرهم، وهم أصحاب القرار في كل شيء، أما الشعب فعليه توسيع المشاركة وحملة التضامن معهم.
الإسناد الشعبي
وتطرح معاناة الأسرى المضربين وصولهم لمرحلة الخطر مسألة التضامن والاسناد الجماهيري الفلسطيني الذي يعتبر من أبرز العوامل التي تؤثر على قرار الاحتلال الإسرائيلي حيث يرى باحثون أن هذا التضامن تحول إلى فعل وممارسة فردية وعائلية ومناطقية.
أماني السراحنة، الباحثة في شؤون الأسرى ومسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني تؤكد انه ليس من السهولة بمكان توصيف الحالة، فهناك السياق السياسي العام، إضافة إلى التحولات الأخيرة على شهدتها الساحة الفلسطينية في آخر أربع سنوات وتحديدا بعد إضراب عام 2017 «فنحن نعاني من ترهل على مستوى نضالنا الجماعي وهو ما عزز وسرع في ظهور الإضرابات الفردية».
وتؤكد السراحنة أنه تاريخيا كانت هناك إضرابات فردية، وتحديدا في تجارب الأسيرات الفلسطينيات، لكن الإشكال اليوم مرتبط بصعوبة تحقق الفعل الجماعي، حتى أن هناك صعوبة في تعريف من هي الجماعة؟ وكيف نتحدث عنها في سياق حالة نضالية عامة؟
وترى السراحنة أن الإضرابات الفردية كشفت حالة التنظيمات الفلسطينية والحركة الوطنية التي تعاني من ترهل داخل السجون وخارجها، وهو ما جعلها ظاهرة ممتدة من سنة 2011 حتى اليوم. وهو ما ينعكس في نتائج الإضرابات الفردية التي لا تذهب لانتزاع الحرية بل إلى تحديد سقف السجن.
وتؤكد السراحنة أن الإضرابات الفردية هي دبوس يفترض أن يجعلنا نستيقظ من حالة غياب المواجهة الجمعية، وهو أمر ينعكس على طبيعة الإسناد الشعبي والتضامن مع الأسرى وهو أمر يمكن تقييمه إلى مرتبة صفرية مقارنة مع سنوات سابقة.
وتابعت قائلة: «ما تعكسه مواقع التواصل الاجتماعي من حملات وحديث عن أوجاع الأسير وعائلته لا تنعكس على الشارع الذي يعتبر فقيرا، سواء تعلق ذلك بالإسناد على مستوى عائلة أو قرية أو مدينة، أو على مستوى مؤسسات وأحزاب».
وتشير السراحنة التي أعدت رسالة ماجستير تحمل اسم «الأسرى الفلسطينيون وجيل الغضب: قراءة أصلانية في السيادة وتقرير المصير» أنه منذ خمسة أشهر يمكن رؤية تحولات كبيرة على كل سياسات الاحتلال بحق الأسرى حيث الهجمة الكبيرة على الأسرى داخل السجون وتحديدا بعد هبة أيار، وهو أمر لم تترافق معه تحولات في موقف الشارع ونضاله، بحيث يمكن أن نسمع ونشعر بخذلان الأسرى من مجتمعهم رغم أن الأسير عندما يضرب عن الطعام لا يفعل ذلك لذاته فقط.
وتختم إن الاعتقال الإداري بمثابة سرقة لكل حياة الأسير، والاحتلال يتعامل مع المضربين بتعنت واضح، ومماطلة بالاستجابة لمطالبهم بهدف وصولهم لمرحلة صحية حرجة تتسبّب لهم بمشاكل صحية يصعب علاجها لاحقاً، فكلما زادت مدة الاضراب زاد الضرر على جسد الأسير.
وبالإضافة إلى القوسمة والفسفوس والأعرج يواصل 3 أسرى آخرين في سجون الاحتلال الإضراب عن الطعام وهم الأسير هشام أبو هواش، مضرب عن الطعام منذ 67 يومًا، والأسير شادي أبو عكر، مضرب عن الطعام منذ 59 يومًا. والأسير عياد الهريمي، مضرب عن الطعام منذ 30 يومًا.