الثلاثاء 30 نيسان 2024

كيف ستتضرر موسكو من انضمام فنلندا للناتو؟

النهار الاخبارية - وكالات 

يمثل انضمام فنلندا للناتو ضربة استراتيجية كبيرة لروسيا، وقد تفوق في خسائرها الجيوسياسية الخسارة الناجمة عن التحاق أوكرانيا بالناتو الذي كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحذر من وقوعه، وكان إحدى ذرائعه لغزو أوكرانيا.

وأكمل وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو اليوم الثلاثاء، عملية انضمام فنلندا للناتو، من خلال تسليم وثيقة رسمية لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مقر الحلف، وذلك بعد موافقة تركيا على انضمامها للحلف.

وعلى مدار أكثر من 70 عاماً، كبر حلف شمال الأطلسي (الناتو) ليضم 30 دولة. إذ تأسس عام 1949 لموازنة النفوذ المتنامي للاتحاد السوفييتي، ولطالما مثّل مصدر توترات بين الغرب وروسيا. 

وقد أعاد التحالف إثبات نفسه كقوةٍ كبيرة ومتحدة في مواجهة روسيا، وذلك عقب هجوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا، حسب وصف صحيفة Washington Post الأمريكية.

وتُعَدُّ فنلندا والسويد من الدول غير المنحازة عسكرياً، حسب المتعارف عليه، لكنهما طلبتا الانضمام إلى الحلف العام الماضي كرد فعل على الحرب الروسية على أوكرانيا. ومن المقرر أن تنضم فنلندا إلى التحالف رسمياً في الأسبوع الجاري، وفقاً للأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ. بينما تعثّر طلب ستوكهولم بسبب خلافات مع تركيا.

روسيا تلوح باتخاذ إجراءات ضد انضمام فنلندا للناتو
ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية كانت هناك حالة تعايش لافتة بين فنلندا والاتحاد السوفييتي رغم الماضي الشديد الدموية بين الجانبين.

وظلت فنلندا تراعي موسكو في سياستها الداخلية والخارجية، ولكنها اليوم تحولت إلى خصم لها، فيما يمثل نكسة غير مسبوقة للسياسة الروسية منذ عقود.

وقال الكرملين إن روسيا ستضطر إلى اتخاذ "إجراءات مضادة لقرار انضمام فنلندا للناتو.

وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إن توسع الناتو "يعد تعدياً على أمننا ومصالح روسيا القومية". وأضاف أن موسكو ستراقب عن كثب أي انتشار عسكري لحلف شمال الأطلسي في فنلندا.

وقال وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو إن هذه الخطوة أثارت احتمالية تصاعد الصراع في أوكرانيا.

وقالت روسيا يوم الإثنين، إنها ستعزز قدرتها العسكرية في مناطقها الغربية والشمالية الغربية؛ رداً على انضمام فنلندا إلى الناتو.

يمثل هذا الحدث نهاية حقبة من عدم الانحياز العسكري لفنلندا والتي بدأت بعد أن صدت البلاد محاولة غزو من قبل الاتحاد السوفييتي خلال الحرب العالمية الثانية واختارت محاولة الحفاظ على علاقات ودية مع روسيا المجاورة.

يقول المحللون إن هذه الخطوة ستُحدث تحولاً في المشهد الأمني الأوروبي وسيمتد أثرها لسنوات -كما ستزيد توترات العلاقات مع روسيا، التي تعارض بدورها توسُّع التحالف شرقاً، حسبما ورد في تقرير صحيفة Washington Post الأمريكية.

لماذا يمثل انضمام فنلندا للناتو خطراً أكبر على روسيا من التحاق أوكرانيا به؟ 
ومنذ نهاية الحرب الباردة قبل ثلاثة عقود، راقبت موسكو بغضب موجات متتالية من توسع الناتو إلى دول شرق أوروبا، التي كانت خاضعة لسيطرتها خلال العهد الشيوعي وبعضها كان جزءاً من روسيا، وكانت القضية موضع خلاف مع الغرب حتى قبل غزو أوكرانيا.

وقال أمين عام حلف الناتو في وقت سابق "إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد تذرع بمعارضة توسع الناتو باتجاه الشرق كأحد التبريرات لغزو أوكرانيا، والآن يحدث العكس تماماً.. فنلندا اليوم وقريباً ستصبح السويد أيضاً عضواً كامل العضوية في التحالف".

وإذا كانت روسيا بررت غزوها لأوكرانيا بسبب خوفها من انضمامها إلى الناتو، فإنها اليوم تواجه عضوين بالناتو يقع أحدهما – وهو فنلندا تحديداً- على مسافةٍ أقرب من بعض المدن الروسية الرئيسية من أوكرانيا.

كما أن الطبيعة الجغرافية للمنطقة التي تفصل بين روسيا وفنلندا تجعلها أكثر صعوبة بالنسبة للروس في حدوث أي معارك، كما ظهر في حرب الشتاء مع فنلندا والتي وقعت عشية الحرب العالمية الثانية وصمدت فيها هلسنكي بشكل فاجأ الجميع وضمن ذلك موسكو، أمام القوة السوفييتية الغاشمة، ولكنها فقدت بعض أراضيها لصالح موسكو، ولكنها ضمنت استقلالها، ثم عادت وانضمت لألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية ضد روسيا وشاركت في حصار لينينغراد (سان بطرس برغ)، وبعد نهاية الحرب لم يتم معاقبتها من قبل موسكو أو الغرب.

يمنح موقعا فنلندا والسويد أيضاً الناتو أفضلية كبيرة في المجال البحري أمام روسيا، خاصةً أن الدولتين لديهما تقاليد بحرية قوية، حيث تعتبر السويد واحدة من أكثر الدول العالم تقدماً في صناعة الغواصات التقليدية العاملة بالديزل.

وعكس دول البلطيق الضعيفة قليلة السكان والمتأخرة نسبياً، فإن انضمام السويد وفنلندا يمثل إضافة استراتيجية حقيقية للناتو ويمكن وصفه بإحدى خسارات روسيا الاستراتيجية من الأزمة الأوكرانية.

كما أن علاقة موسكو مع فنلندا تحديداً، منذ العهد السوفييتي، كانت تمثل استثناء في علاقتها مع بقية الدول الغربية، حيث كانت بمثابة نافذة للحضارة الغربية مفتوحة بشكل محكوم على روسيا.

فتاريخياً كانت فنلندا جزءاً من السويد ثم انتقلت إلى أيدي روسيا قبل أن تحصل على استقلالها إثر الثورة البلشفية، وكانت فنلندا دوماً مطمعاً للروس.

ولكن البلدين توصلا إلى توافق بعد الحرب العالمية الثانية تضمَّن تأكيد حياد هلسنكي وعدم اعتداء الاتحاد السوفييتي عليها، مقابل مراعاتها للمصالح السوفييتية. 

ولكن اليوم هذه الدولة باتت رسمياً عدواً وخصماً لروسيا، بعدما كان يُنظر إليها خلال الحرب الباردة على أنها أقرب إلى الاتحاد السوفييتي، وأنها تسمح له بمساحة من التدخل في شؤونها بشكل لم يتكرر في أي دولة أوروبية أخرى. 

إليك القدرات العسكرية التي ستضيفها فنلندا للناتو
ولا شك أن انضمام فنلندا للناتو سيمنح التحالف قدرات برية وبحرية وجوية موسعة. إذ إن الجيش الفنلندي جيد التمويل يُلزم الرجال في البلاد بالتجنيد الإجباري، فهي واحدة من الدول الأوروبية القليلة التي احتفظت بجيش قائم على التجنيد خلال عقود من السلام، بالإضافة إلى ذلك، فإن القوات البرية والبحرية والجوية الفنلندية مدربة ومجهزة بهدف أساسي واحد – وهو صد أي هجوم روسي.

ولدى فنلندا واحد من أقوى أسلحة المدفعية في أوروبا، إن لم يكن العالم.

كما أن لدى فنلندا (وأيضاً السويد) عقيدة عسكرية تراعي فارق القوة الهائل مع روسيا التي هي دوماً العدو المفترض دائماً في خطط البلدين العسكرية.

وأوضح كريستوفر سكالوبا، من مركز أبحاث Atlantic Council، أنه "نهجٌ يتبعه المجتمع الفنلندي بالكامل عند التفكير في أمور الدفاع. ويمكنهم تعبئة المئات والآلاف من مواطنيهم". بينما تتمتع السويد ببحريةٍ قوية، مما سيعزز دفاعات الناتو في بحر البلطيق. علاوةً على أن السويد تبني طائراتها المقاتلة الخاصة، التي تصدرها لدولٍ أخرى حول العالم. كما توفر البلاد بعض المزايا الجغرافية الأساسية التي ستعزز دفاعات ناتو.

الحلف سيصبح أقرب لقيادة المقر الرئيسي للأسطول الروسي الشمالي
تمتد حدود فنلندا مع روسيا لأكثر من 1.287 كم، وتمتلئ بالدوريات القريبة فعلياً. وستؤدي عضوية فنلندا في الناتو إلى مضاعفة مسافة الحدود البرية للتحالف.

ولكن المشكلة بالنسبة لروسيا لن تكون في طول حدود فنلندا فقط معها، ولكن طبيعة هذه الحدود وقربها من العديد المناطق الحساسة وذات الأهمية الاستراتيجية البالغة وأماكن أخرى قاسية الطقس وتكاد تكون خاوية من السكان بطريقة تجعل الدفاع عنها صعباً.

وقالت كاريسا نيتشه، الزميلة المشاركة في مركز أبحاث Center for a New American Security: "ستمنح العضوية قدرة ردعٍ معززة للناتو، لأن موسكو ستحتاج للدفاع عن حدودها من ناحية. ومن الناحية الأخرى، يجب على الناتو حماية هذه الحدود ضد أي هجوم روسي أيضاً".

ويذكر الفنلنديون حرب الشتاء بين عامي 1939 و1940، عندما تكبدت البلاد أفدح الخسائر نتيجة تصديها للقوات السوفييتية.

وأوضحت كريستينا فلوريا، مؤرخة جامعة كورنيل: "يُعد انعدام الثقة سمةً أساسية لعلاقتهم مع روسيا".

علاوةً على أن عضوية فنلندا ستقرب التحالف من شبه جزيرة كولا، وهي قطعة أرض استراتيجية تبعد نحو 177 كم شرق الحدود، وتحتفظ روسيا داخلها بغواصات صواريخ باليستية ورؤوس نووية. ويقع المقر الرئيسي للأسطول الشمالي، المكلف بدوريات القطب الشمالي، داخل شبه جزيرة كولا أيضاً.

الناتو سيعزز وجوده في بحر البلطيق 
إذا اتجهنا جنوباً، فسنجد أن عضوية فنلندا والسويد ستمنح التحالف ميزةً في بحر البلطيق، وتجعله شبه بحيرة تابعة للناتو، بل قد تمكنه من فرض حصار على روسيا يوماً.

تقع مدينة سانت بطرسبرغ الروسية (ثاني أكبر مدن البلاد وعاصمتها السابقة) على بعد 150 كيلومتراً فقط من الحدود الفنلندية، ونقلت وكالة رويترز عن سكان في سان بطرسبرغ، قولهم إن فنلندا يمكن أن تسبب مشاكل لنفسها من خلال الانضمام إلى الناتو.

يُذكر أن البلطيق هو ممر مائي استراتيجي تقع عليه مدينة سانت بطرسبرغ الروسية، بالإضافة إلى مجموعة من أضعف الدول الأعضاء في الناتو.

وقال سكالوبا، في إشارةٍ إلى لاتفيا وإستونيا وليتوانيا: "تتمثل مهمة الناتو الرئيسية في إبقاء روسيا بعيداً عن دول البلطيق". ولا شك أن زيادة التواجد على شواطئ بحر البلطيق ستضمن تعزيز أمن تلك الدول.

فيما قالت كاريسا: "ستؤدي عضوية فنلندا والسويد في الناتو إلى منح التحالف مسار إمدادات آخر يمر عبر بحر البلطيق. وتعتمد إمدادات الناتو حالياً على ممر فجوة سوالكي الضيق، الذي يفصل كالينينغراد عن بيلاروسيا، وتستطيع روسيا أن تحاول إغلاقه حال اندلاع صراع".

بينما تقع جزيرة غوتلاند السويدية في عرض البحر. إذ يمتد طولها لـ175 كم، وتحتوي على الكثير من أطلال العصور الوسطى والتحصينات العسكرية. وفي أبريل/نيسان، أعلنت السويد أنها ستنفق 163 مليون دولار لزيادة قواتها على الجزيرة، بما في ذلك توسعة الثكنات لاستضافة المزيد من الجنود (بعد أن كانت قد أعلنت طواعيةً نزع سلاحها كبادرة حسن نية لموسكو قبل سنوات).

الوضع في القطب الشمالي سيتغير
من المؤكد أن انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو سيعني زيادة وجود الحلف في القطب الشمالي.

ويضم المجلس الشمالي فنلندا والسويد في عضويته، وهو عبارة عن منظمة تُشرف على الأجزاء الواقعة في أقصى شمال الكوكب، كما تشمل قائمة أعضاء المجلس روسيا وكندا والولايات المتحدة. وأوضحت كاريسا أن عضوية البلدين "ستمنح أمن القطب الشمالي أولويةً على أجندة أعمال الناتو".

ومن المحتمل أن يحظى الأمر بأولوية على أجندة موسكو كذلك، في ظل اعتبار أكثر من 50% من ساحل المحيط القطبي الشمالي جزءاً من الأراضي الروسية. إذ أوضح سكالوبا: "ينظرون إلى أمن هذه المنطقة باعتباره مسألة دفاعٍ عن أراضي الوطن".

وتنطلق البعثات العسكرية من شبه جزيرة كولا لتنتشر في جميع أنحاء القطب الشمالي. لهذا تستطيع السويد وفنلندا المساعدة في مراقبة تلك الأنشطة، لكنها قد تزيد مخاطر التصعيد في الوقت ذاته.

وأردف سكالوبا قائلاً: "تُعَدُّ المنطقة القطبية الشمالية عموماً بمثابة قصة نجاحٍ على صعيد التعاون بين دول الشمال التابعة للناتو وبين روسيا، لكن هناك بعض المخاوف من أنها ستتحول إلى منطقة متنازع عليها في مجال الأمن، وهو الأمر الذي ستزداد أرجحيته بعد انضمام السويد وفنلندا إلى دول الناتو".

يعني انضمام السويد وفنلندا للناتو أن روسيا تحتاج إلى تعزيز دفاعاتها العسكرية في شمالها الغربي وفي الجزء الغربي من ساحلها القطبي، كما تحتاج إلى تقوية أنظمة الدفاع الجوي في شمال غرب البلاد لمواجهة أي هجمات جوية أو صاروخية محتملة تنطلق من فنلندا أو السويد.

كيف سيرد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟
وسبق أن لوَّحت روسيا بأنها قد تُدخل السلاح النووي إلى منطقة بحر البلطيق؛ رداً على هذه الخطوة.

أما احتمال تحوُّل رد الفعل الروسي إلى مواجهة عسكرية أو اعتداء مباشر على فنلندا والسويد، فيبدو مستبعداً، خاصة بعد إنهاء إجراءات انضمام فنلندا بشكل رسمي إلى الناتو.

فموسكو مشغولة بحربها مع أوكرانيا، ويبدو أن خطط الأمريكيين لإشغالها في هذه الحرب وإنهاكها لدرجة قد تجعلها غير قادرة على تنفيذ أي هجوم على دولة أوروبية أخرى – قد حققت قدراً من النجاح حتى لو كان هذا النجاح على حساب مستقبل أوكرانيا التي ستخرج غالباً مدمّرة من الحرب.

خيار بيلاروسيا هو الأكثر أمناً في التعامل مع فنلندا
أما أسهل الوسائل التي يمكن أن تعاقب روسيا بها فنلندا، فهي الوسيلة التي استخدمتها بيلاروسيا مع بولندا العام قبل الماضي، وهي تشجيع الهجرة غير الشرعية من منطقة الشرق الأوسط وحتى إفريقيا وآسيا إلى فنلندا العضو في الاتحاد الأوروبي (وهذا مسار هجرة موجود فعلاً).

وهذا الخيار يمثل شكلاً من أشكال المضايقات التي لا تصل إلى مستوى التهديد العسكري؛ ومن ثم فإنها لا تحمل خطر تحويل الأزمة إلى نزاع بين روسيا والناتو.

وفي النهاية فإن الضمانة الحقيقية للأمن القومي الروسي، تظل السلاحَ النوويَّ وقدرات البلاد العسكرية الجبارة التي تجعل الناتو يفكر ألف مرة قبل تنفيذ أي عمل عدواني ضد موسكو.

ولكن ما يجب أن تخشاه روسيا حقاً من الدول الغربية ليس عملاً عسكرياً مباشراً ولكن تدخُّلها لإثارة نقمة شعبية ضد النظام الروسي باعتبار أن هذه النقطة تقليدياً كانت إحدى نقاط ضعف روسيا، الدولة المستبدة والأكثر فقراً من الغرب.

وفي ظل الحصار الغربي على موسكو وتشديد القبضة الأمنية لبوتين داخلياً بعد حرب أوكرانيا، فإن هذا قد يزيد من إمكانية زعزعة الدول الغربية للرأي العام الروسي، الذي يُعتقد أن جزءاً منه غير موافق أو متحمس للحرب على أوكرانيا.