الأربعاء 8 أيار 2024

كيف تعرِّض المنافسة بين القوى العظمى البشر لخطر جسيم؟

النهار الاخبارية - وكالات 

أصبح العالم أكثر ثراءً، لكنه بات أيضاً أكثر هشاشة، لأن العولمة التي خلقت هذا الثراء مهددة ويحل محلها تدريجياً التشرذم والانفصال إن لم يكن المواجهة بين القوى الدولية الرئيسية.

أتضح جلياً من حرب روسيا في أوكرانيا أنَّ السلام لا يمكن اعتباره أمراً بديهياً مضموناً. تأتي الأوبئة القاتلة والكوارث المناخية لتذكيرنا بمدى هشاشة العالم في مواجهة قوى الطبيعة. تبشر التحولات التقنية الكبرى -مثل الذكاء الاصطناعي- بتسارع النمو المستقبلي، لكنها تحمل أيضاً مخاطر كبيرة، حسب مجلة Foreign Affairs الأمريكية.

يُمثّل التعاون بين الدول أهمية حاسمة في عالم يسوده عدم اليقين. ومع ذلك، يشهد التعاون الدولي حالة تراجع وتزداد بدلاً من ذلك حالة التفكّك والتشرذم، التي تبدأ بزيادة الحواجز أمام التجارة والاستثمار وتنتهي في شكلها المتطرف بانقسام الدول إلى كتل اقتصادية متنافسة -وهي نتيجة تهدد بعكس المكاسب التي حققها التكامل الاقتصادي العالمي.

هواجس الأمن القومي بات لها الأولوية على الاقتصاد
ثمة عدد من القوى القوية تدفع إلى التشرذم. تُشكّل اعتبارات الأمن القومي هاجساً كبيراً بالنسبة لصنّاع القرار والشركات مع تفاقم التوترات الجيوسياسية، وهو ما يجعلهم حذرين إلى حد ما من مشاركة التكنولوجيا أو اندماج سلاسل التوريد. 

في الوقت نفسه، على الرغم من أنَّ التكامل الاقتصادي العالمي خلال العقود الثلاثة الماضية الذي عرف باسم "العولمة" ساعد في جعل مليارات البشر أكثر ثراءً وصحة وإنتاجية، أدى أيضاً إلى فقدان الوظائف في بعض القطاعات وساهم في زيادة التفاوتات الاجتماعية واتساع الفجوة بين الطبقات. هذا بدوره تسبَّب في تأجيج التوترات الاجتماعية وخلق أرضاً خصبة للسياسات الحمائية وزيادة الضغوط المحلية للحد من الاستيراد والتصدير.

يأتي هذا التشرذم بتكلفة باهظة للغاية، حتى في الأوقات العادية، ويُعيق إمكانية إدارة التحديات الهائلة التي يواجهها العالم الآن المُتمثّلة في الحرب وتغير المناخ والجوائح. ومع ذلك، يواصل صانعو السياسات في كل مكان اتخاذ تدابير تؤدي إلى المزيد من التشرذم. 

على الرغم من أنَّ بعض تلك السياسات يمكن تبريرها بالحاجة إلى ضمان مرونة سلاسل التوريد، ثمة تدابير أخرى تُحرّكها المصلحة الذاتية والحمائية -وهو ما يضع الاقتصاد العالمي في وضعٍ محفوف بالمخاطر على المدى البعيد. 

صندوق النقد الدولي يتوقع تراجع النمو العالمي لأدنى مستوى منذ ثلاثة عقود
وفقاً لأحدث توقعات صندوق النقد الدولي للخمس سنوات المقبلة، فإنَّ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي السنوي في عام 2028 لن يتجاوز 3% -وهو أدنى توقع لصندوق النقد الدولي في العقود الثلاثة الماضية. يخلق هذا الوضع تحديات الحد من الفقر وخلق فرص عمل للأعداد المتزايدة من السكان الشباب في الدول النامية. يُخاطر التشرذم بإضعاف هذا المشهد الاقتصادي السيئ بالفعل وقد ينقسم العالم -المنقسم بالفعل بسبب المنافسات الجيوسياسية- إلى كتل اقتصادية متنافسة مع تراجع النمو واختفاء الفرص وتراكم التوترات. يدرك صانعو السياسات في جميع أنحاء العالم أنَّ تداعيات الحمائية والتفكّك وخيمة للغاية. 

تهدف الالتزامات والارتباطات رفيعة المستوى بين أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية والصين، إلى الحد من مخاطر الاتجاه نحو مزيد من التشرذم. لكن عندما يتعلق الأمر بمحاولة وقف هذا الاتجاه بوجهٍ عام، ثمة افتقار مقلق إلى الإصرار. 

حدوث جائحة جديدة قد يؤدي لأزمة اقتصادية عالمية 
قد تتسبّب جائحة أخرى في دفع العالم مرة أخرى إلى أزمة اقتصادية عالمية وقد يؤدي الصراع العسكري، سواء في أوكرانيا أو في أي مكان آخر، إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي واضطراب أسواق الطاقة والسلع الأساسية مرة أخرى وقد تؤدي موجة جفاف جديدة أو فيضانات إلى تحويل ملايين الأشخاص إلى لاجئين مناخيين. ومع ذلك، ظلت الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص على حدٍّ سواء غير قادرة أو غير راغبة في اتخاذ إجراءات جدّية على الرغم من إدراكها لتلك المخاطر على نطاق واسع.

عندما يصبح العالم أكثر عرضة للصدمات الاقتصادية، فهذا يعني أنَّنا بحاجة إلى جعل الاقتصادات أكثر مرونة وأشد قدرة على الصمود -على المستويين الفردي والجماعي. سيتطلّب تحقيق هذه الغاية اتباع نهج مدروس في التعاون. يتعيّن على المجتمع الدولي، بدعم من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي، العمل معاً بطريقة منهجية وعملية لمتابعة التقدم المستهدف والحفاظ على التعاون في المجالات التي يكون التقاعس عن التعاون فيها مدمراً. 

يتعيّن على صانعي السياسات التركيز على القضايا المهمة التي تحقق الرفاهية الاقتصادية للمواطنين العاديين، وليس فقط إثراء الحكومات والنخب. يجب تعزيز بناء الثقة بين الدول حيثما أمكن ذلك حتى يتسنى للمجتمع الدولي تكثيف مستوى التعاون سريعاً عندما يواجه العالم صدمة كبرى جديدة. 

المؤسسات الدولية التي نشأت بعد الحرب العالمية حققت ازدهاراً اقتصادياً
كشفت حربان عالميتان في القرن الـ20 مدى أهمية التعاون الدولي لتحقيق السلام والرخاء وأنَّه يتطلّب أساساً مؤسسياً متيناً. بينما كانت الحرب العالمية الثانية لا تزال مستعرة، اجتمعت دول الحلفاء لإنشاء بنية متعددة الأطراف تشمل منظمة الأمم المتحدة ومؤسسات بريتون وودز -صندوق النقد الدولي والبنك الدولي- من أجل معالجة المشكلات التي تتطلب عملاً جماعياً.

ما تلا ذلك كان توسعاً هائلاً في التبادل التجاري والتكامل الاقتصادي أدَّى إلى تحويل وجه العالم وبلغ ذروته فيما بات يُعرف بالعولمة. منذ ذلك الحين، تكيَّفت هذه البنية متعددة الأطراف مع التغيرات العالمية الهائلة، حيث ارتفع عدد دول العالم من 99 دولة في عام 1944 إلى ما يقرب من 200 دولة حالياً. في الفترة نفسها، تضاعف عدد سكان الأرض من حوالي 2.3 مليار نسمة إلى حوالي 8 مليارات نسمة، وزاد الناتج المحلي الإجمالي العالمي أكثر من 10 أضعاف. في الوقت نفسه، أدى التوسع التجاري في اقتصاد عالمي متكامل على نحوٍ متزايد إلى تحقيق مكاسب كبيرة فيما يخص معدلات النمو والحد من الفقر. لكن هذه المكاسب باتت معرضة للخطر الآن. 

ثم جاءت الأزمة المالية العالمية في 2008 لتعيد إحياء السياسات الحمائية وتضعف العولمة
بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، بدأت فترة تباطؤ مطول في حجم التبادل التجاري وتراجع الدعم السياسي للتجارة المفتوحة، حيث بدأت الدول في فرض أشكال مختلفة من الحواجز التجارية، وشهد التقارب في مستويات المعيشة داخل الدول وفيما بينها حالة من الجمود. منذ بدء جائحة كوفيد-19، تراجعت معدلات النمو في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من النصف، من متوسط 3.1% سنوياً على مدار الـ15 عاماً التي سبقت الجائحة إلى 1.4% منذ عام 2020. كان الانخفاض أكثر اعتدالاً في الدول الغنية، حيث انخفضت معدلات النمو في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 1.2% في الـ15 عاماً التي سبقت الجائحة إلى 1.0% منذ عام 2020. يؤدي اتساع فجوة التفاوت إلى تعزيز عدم الاستقرار السياسي وتقويض آفاق النمو في المستقبل، لا سيما بالنسبة للاقتصادات الضعيفة والسكان الأكثر فقراً.

في عالم أكثر هشاشة، قد تميل الدول (أو تكتلات الدول) إلى تحديد مصالحها استناداً إلى نظرة ضيقة الأفق وتحجم عن التعاون. لكن العديد من الدول تفتقر إلى التكنولوجيا والموارد المالية والقدرة على التعامل بنجاح مع الصدمات الاقتصادية بمفردها -وفشلها في ذلك لن يضر برفاه مواطنيها فحسب، بل أيضاً برفاه مواطنين في أماكن أخرى.

على سبيل المثال، أدت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى اضطراب شديد في أسواق السلع الأساسية وانعدام الأمن الغذائي وأمن الطاقة. كان الحصار المفروض من جانب روسيا على صادرات القمح الأوكراني محركاً رئيسياً وراء الزيادة المفاجئة في أسعار القمح العالمية بنسبة 37% في ربيع عام 2022. أدى ذلك إلى تضخم أسعار المواد الغذائية الأخرى وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، لا سيما في البلدان منخفضة الدخل في شمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا.

التشرذم العالمي سيؤدي لزيادة معدلات الفقر، ولذا نحن بحاجة إلى شبكة أمان عالمية
قد يصعب حصر إجمالي الخسائر الناجمة عن كافة جوانب التشرذم، لكن يتضح أنَّ جميعها تشير إلى تراجع نمو الإنتاجية، ومن ثمَّ تراجع مستويات المعيشة وزيادة معدلات الفقر وانخفاض الاستثمار في الصحة والتعليم والبنية الأساسية. لذا، تعتمد مرونة الاقتصاد العالمي وازدهاره على بقاء التكامل الاقتصادي.

في عالم يعاني من صدمات شديدة أكثر تواتراً، يتعيّن على الدول إيجاد سبل لتخفيف حدة التأثيرات السلبية على اقتصاداتها وشعوبها. يتطلب تحقيق ذلك بناء موارد اقتصادية في أوقات الرخاء حتى يتسنى لنا استخدامها في الأوقات العصيبة. 

يتمثل أحد هذه الموارد في احتياطيات النقد الأجنبي لأي بلد -أي احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية والتي توفر مصدر تمويل متاحاً بسهولة للدول عندما تتعرض للأزمات. شهد مجموع الاحتياطيات العالمية نمواً هائلاً على مدى العقدين الماضيين، مع توسع الاقتصاد العالمي والاستجابة للأزمات المالية. لكن هذه الاحتياطيات تتركز بدرجة كبيرة عند مجموعة صغيرة نسبياً من الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات الناشئة الأقوى اقتصادياً، إذ تمتلك 10 دول فقط ثلثي الاحتياطيات العالمية من النقد الأجنبي. في المقابل، تظل الاحتياطيات لدى معظم الدول الأخرى متواضعة، لا سيما في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأجزاء من أمريكا اللاتينية والدول الجزرية الصغيرة والدول المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط. يوضح هذا التوزيع غير المتكافئ للاحتياطيات أنَّ العديد من الدول لا تزال معرضة للخطر إلى حدٍّ كبير.

لا ينبغي لأي دولة الاعتماد على احتياطياتها وحدها بطبيعة الحال. دعونا نتأمل لجوء الأسرة، التي لا تستطيع ادخار القدر الكافي من المال لمواجهة كل صدمة معيشية محتملة، إلى التأمين على المنزل والسيارة والصحة والاشتراك في خدمات التأمين الصحي. 

على نحو مماثل، تصبح الدول في مأمن من تداعيات الأزمات الكارثية إذا استطاعت -إلى جانب احتياطياتها الأجنبية الخاصة بها- الوصول إلى آليات التأمين الدولية المختلفة التي تُعرف مجتمعة باسم "شبكة الأمان المالي العالمية" -على رأسها صندوق النقد الدولي الذي يجمع موارد أعضائه ويضطلع بدور الملاذ الأخير للإقراض على المستوى العالمي. 

إنها أمر مفيد للجميع
وتساهم حماية البلدان وشعوبها من الصدمات في تحقيق الاستقرار خارج الحدود. تُمثّل هذه الحماية منفعة عامة عالمية. وبناء عليه، فإنَّ شبكة الأمان العالمية، التي تعمل على تجميع الموارد الدولية لتوفير السيولة لكل بلد على حدة، عندما تضربها الكوارث، تصب في مصلحة هذه الدول نفسها والعالم أجمع. 

تقدم أزمة كوفيد-19 مثالاً جيداً على ذلك. تلقت الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي عمليات ضخ سيولة بسرعة وحجم غير مسبوقين بفضل الموارد المُجمَّعة بالفعل لدى الصندوق. ساعدت هذه السيولة الدول على تمويل وارداتها الأساسية من الأدوية والغذاء والطاقة. قدَّم صندوق النقد الدولي أيضاً حزماً تمويلية لدعم الدول الاعضاء في مواجهة تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية.

على الرغم من أن شبكة الأمان المالي العالمية ساعدت في التعامل مع تداعيات جائحة كوفيد-19 وتأثيرات الغزو الروسي، فمن المؤكد أنَّها ستخضع للاختبار مرة أخرى في الصدمة الكبيرة التالية. لذا، ثمة حاجة ملحة لتعزيز الموارد المُجمّعة في العالم لتأمين الدول الضعيفة ضد الصدمات الشديدة في ظل هذا التوزيع غير المتساوي للاحتياطيات الأجنبية. 

هناك حاجة لحلول ابتكارية لأزمات الديون منها الإعفاء في حال وقوع كوارث
حتى في حال تعزيز شبكة الأمان المالي العالمية، قد تستنفد بعض الدول احتياطياتها عند الاستجابة للأزمات الاقتصادية العالمية وتتراكم الاختلالات الاقتصادية بمرور الوقت -لا سيما ارتفاع العجز المالي وتعاظم مستويات الديون. على الرغم من ارتفاع مستويات الديون في كل مكان، تزداد حدة المشكلة في العديد من الأسواق الناشئة والدول منخفضة الدخل نتيجة للأزمات الاقتصادية الأخيرة وارتفاع أسعار الفائدة، وفي بعض الحالات، الأخطاء السياسية من جانب الحكومات.

بحلول نهاية عام 2022، بلغ متوسط مستويات الديون في دول الأسواق الناشئة 58% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ42% في العقد السابق. ارتفع متوسط مستويات الديون في الدول منخفضة الدخل خلال تلك الفترة من 38% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 60%. وفقاً لأحد تحليلات البنك الدولي، ترتفع معدلات الفقر في المتوسط بنسبة 30% بعد تخلّف أي دولة عن سداد التزاماتها الخارجية وتبقى معدلات الفقر مرتفعة لمدة 10 سنوات.

لضمان القدرة على تحمّل أعباء الديون في عالم يعاني من كوارث مناخية وصحية أكثر تواتراً، يجب على الدول منفردة والمنظمات الدولية فعل كل ما في وسعها لمنع تراكم الديون في المقام الأول ودعم إعادة هيكلة الديون بشكل مُنظّم -إذا اقتضت الحاجة ذلك. يؤدي تفاقم أزمة الديون إلى تبديد المكاسب التي حققتها الدول منخفضة الدخل في العقود الأخيرة.

لذا، يتعيّن على المؤسسات الدولية مساعدة الدول المُثقلة بالديون في خفض تكاليف أزمات الديون من خلال التركيز على الإصلاحات الاقتصادية المحفزة للنمو وتحسين إنفاق الميزانية وتعزيز الإيرادات الضريبية، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الديون سريعاً عند عجز الدول المَدينة عن السداد -لكن فعل ذلك ليس أمراً سهلاً.

دعونا ننظر هنا في حالة زامبيا، ثاني أكبر منتج للنحاس في إفريقيا. زاد حجم الإنفاق على الاستثمار العام الممول بالديون خلال العقد الماضي، لكن النمو الاقتصادي فشل في مواكبة الأعباء المالية المرتبطة بالديون ونفدت الموارد اللازمة لسداد الديون وتخلّفت زامبيا عن سداد ديونها في عام 2020. 

استغرقت موافقة الدائنين الرسميين لزامبيا على صفقة لإعادة هيكلة قروض بمليارات الدولارات ما يقرب من عام. لذا، يتعين على الدائنين والمؤسسات المالية الدولية بذل المزيد من الجهد لإيجاد سبل لإزالة العقبات التي تحول دون التوصل سريعاً إلى قرار بالإجماع.

ويتعيّن أيضاً على المؤسسات المالية والمقرضين الدوليين أن يعملوا معاً في سبيل تطوير آليات لتأمين البلدان ضد أزمات الديون في حالة التعرض لصدمات اقتصادية كبرى. تتمثّل إحدى الأفكار الواعدة في اتباع نهج تعاقدي إزاء الديون التجارية. 

قد يشمل ذلك إدراج بنود في عقود الديون من شأنها تأجيل سداد دفعات الديون المستحقة تلقائياً في حال تعرضت بلد ما لكارثة طبيعية مثل الفيضانات أو الجفاف أو الزلازل.

يتعين على المَدينين أيضاً الاضطلاع بدور أكثر فاعلية عندما يتعلق الأمر بتخفيف المخاطر وتحسين التنسيق بين استراتيجيتها لإدارة الديون والسياسة المالية. على الجانب الآخر، يجب على الحكومات أن تبدي استعدادها لمعالجة الأخطاء السياسية الأساسية المتسببة في تفاقم أزمة الديون. 

هل بات من الضروري زيادة رأسمال صندوق النقد الدولي؟
أدَّى صندوق النقد الدولي دوراً محورياً في الاقتصاد العالمي منذ فترة طويلة. يعتبر صندوق النقد الدولي المؤسسة الوحيدة المُفوّضة من أعضائها البالغ عددهم 190 دولة لإجراء مراجعات منتظمة وشاملة للتحقق من سلامة اقتصاداتها، بالإضافة إلى كونه مصدراً لإسداء المشورة في مجال السياسات الاقتصادية والملاذ الأخير للاقتراض ومؤهلاً للمساعدة في حماية الدول من الأزمات المالية وعدم الاستقرار.

لكن صندوق النقد الدولي ليس سوى جهة فاعلة واحدة في الاقتصاد العالمي وواحد من بين العديد من المؤسسات المالية الدولية المهمة. لذا، يحتاج النموذج المالي للصندوق وسياساته إلى التحديث لمواكبة وتيرة التغيير في عالم تتصاعد فيه حالة التفكك والتشرذم. ستتمثَّل الخطوة الأولى في زيادة حصص المساهمات المالية التي يدفعها كل عضو في صندوق النقد الدولي بناءً على مكانته وإسهامه في الاقتصاد العالمي، وهو ما يوفر المزيد من الموارد الدائمة لمساعدة الأعضاء في التعامل مع الصدمات ودعم الاقتصادات الناشئة والنامية.

يتعيَّن أيضاً على البلدان الأعضاء ميسورة الحال في صندوق النقد أن تبذل جهوداً متضافرة من أجل إعادة ضخ الموارد المالية لـ"الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر". قدَّم هذا الصندوق، الذي يديره صندوق النقد الدولي، برامج تمويل بدون فائدة بقيمة ما يقرب من 30 مليار دولار إلى 56 دولة منخفضة الدخل منذ بداية جائحة كوفيد-19. تُشكّل هذه الموارد المالية أهمية بالغة لضمان قدرة صندوق النقد الدولي على الاستمرار في تلبية الطلب القياسي على الدعم من أفقر بلدانه الأعضاء.

أخيراً، لا يستطيع صندوق النقد الدولي أن يكون فعّالاً حقاً في هذا العالم المجزأ حالياً ما لم يستمر في تعميق علاقاته مع المنظمات الدولية الأخرى، من بينها البنك الدولي وبنوك التنمية متعددة الأطراف مثل بنك التنمية الإفريقي ومؤسسات مثل منظمة التجارة العالمية. يجب على جميع تلك المؤسسات المالية الدولية توحيد قواها لتعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات العالمية الملحة. مع دخول العالم حالياً عصر جديد من التشرذم وتنامي الحمائية التجارية، تزداد أهمية دور المؤسسات الدولية في توحيد جهود الدول استعداداً للتعامل مع تحديات وصدمات مقبلة سوف يواجهها الاقتصاد العالمي.