الجمعة 19 نيسان 2024

المطبِّعون الجدد مع إسرائيل في ورطة بسبب حكومة نتنياهو..

النهار الاخبارية - وكالات 
 يضع تولي حكومة جديدة، من المرجح أن تكون الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، الدول العربية التي طبّعت علاقاتها مع تل أبيب في موقف لا يُحسدون عليه، إذ يتعين عليهم التعامل مع قوميين متطرفين، وفي الوقت نفسه محاولة القيام بما هو أكثر من مجرد إطلاق تصريحات جوفاء بشأن القضية الفلسطينية.

وتضم حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، التي أدت اليمين الأسبوع الماضي، أحزاباً يمينية متشددة تريد ضم أراضي الضفة الغربية المحتلة التي يسعى الفلسطينيون منذ أمد لإقامة دولة مستقلة لهم عليها.

ويمثل هذا الوضع ورطة لأربع دول عربية هي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، التي تحركت نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل عامين، ويتعيّن عليها الآن أن توازن بين هذه الشراكة الجديدة والدعم التاريخي للتطلعات الفلسطينية.

وعندما أصبحت الإمارات عام 2020 أول دولة خليجية عربية تبرم اتفاقاً مع إسرائيل لإقامة علاقات، كانت تأمل في أن يتم حل قضايا قائمة منذ وقت طويل، وكفيلة بإشعال فتيل التوترات مثل المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي المحتلة.

وفي أول اختبار حقيقي للعلاقة الجديدة بين الإمارات وإسرائيل موافقة أبوظبي على طلب المندوب الفلسطيني والأردني في مجلس الأمن من أجل مناقشة التطورات الأخير في المسجد الأقصى، والتي وصلت لذروتها باقتحام بن غفير للمسجد الأقصى بصفته وزيراً، الأمر الذي أثار غضب الأردن وفلسطين وعدد من الدول العربية.

ورغم أن نتنياهو يقول إنه سيكون صاحب القول الفصل في السياسة، فإن التزام حكومته بتوسيع مستوطنات الضفة الغربية، وضم قوميين متطرفين لائتلافه، يعرقل التوصل لأي تسوية مع الفلسطينيين.

فوزير الأمن الوطني، إيتمار بن غفير، سبق أن حمل السلاح، وكان عضواً في جماعة يهودية متشددة محظورة. وبدأ ظهوره من خلال جماعة "كاهانا حي" المدرجة على القوائم السوداء في إسرائيل والولايات المتحدة بسبب توجهاتها شديدة العداء للعرب.

وأثار بن غفير يوم الثلاثاء غضب الفلسطينيين وموجة من الاستنكار بقيامه بزيارة لحرم المسجد الأقصى.

كما أن من شركاء نتنياهو في الائتلاف الحاكم بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب الصهيونية الدينية اليميني المتطرف، وهو مثله مثل بن غفير، مستوطن يعيش في الضفة الغربية ويعارض منح حكم ذاتي للفلسطينيين، ناهيك عن آمالهم في إقامة دولة.

وقال عزيز الغشيان، المحلل السعودي المتخصص في العلاقات الخليجية الإسرائيلية، إن "الإمارات والبحرين لم تكونا تفضلان بالتأكيد هذه الحكومة، لأن هذا يختبر علاقاتهما مع إسرائيل… وفي حال اندلاع صراع… ستتعرض الإمارات والبحرين لضغوط لفعل شيء ما".

وفي الوقت نفسه يرى الغشيان أن البلدين الخليجيين استثمرا رأس المال سياسياً في الاتفاقيات مع إسرائيل، ومن غير المرجح أن تقطعا العلاقات إذا اندلع قتال مفتوح بين إسرائيل والفلسطينيين مجدداً.

 اتصالات سرية

بالنسبة للإمارات، توج الاتفاق الدبلوماسي مع إسرائيل سنوات من الاتصالات السرية في مجالي التجارة والتكنولوجيا المهمين، وقد يساعد الدولة الخليجية على تصوير نفسها كقوة استقرار في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.

وصادق البلدان على اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة في ديسمبر/كانون الأول، بعد فوز نتنياهو في الانتخابات. ومن المتوقع أن تكون الأوسع من نوعها بين إسرائيل ودولة عربية.

كما تتلقى العلاقات دعماً من المخاوف المشتركة من أن إيران تشكل تهديداً أمنياً وجودياً لمعظم دول الشرق الأوسط، وتوحي المؤشرات الأولية بأن البلدين يرغبان في الحفاظ على العلاقة قوية.

وذكرت وكالة أنباء الإمارات الرسمية أن رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أجرى اتصالاً هاتفياً مع نتنياهو لتهنئته على توليه منصبه وعبر عن تطلعه "لتعزيز العلاقات الإماراتية الإسرائيلية خلال الفترة المقبلة، خاصة في المجالات التنموية، ودفع مسار الشراكة والسلام بين البلدين إلى الأمام لمصلحة شعبيهما والمنطقة عامة".

وفيما يتعلق بالبحرين، جدد سفيرها لدى إسرائيل، خالد الجلاهمة، التزام بلاده بالتطبيع. وكتب على "تويتر" في 19 ديسمبر/كانون الأول أن عاهل البحرين أكد على "تطلعنا للتعايش والسلام. وقد أعادت اتفاقيات إبراهيم التاريخية الأمل، وأكدت على أهمية الحوار".

وأشار بن غفير، في مقابلة مصورة خلال حفل استقبال أقامته سفارة الإمارات في إسرائيل بأحد الفنادق في الأول من ديسمبر/كانون الأول، إلى أنه حريص على تعزيز العلاقات.

وقال في تصريحات نشرتها صحيفة يسرائيل هيوم المحافظة "هذا هو الدليل على أنه يمكن للمرء أن يصنع السلام دون تنازلات ودون استسلام، وإنما من خلال السلام، السلام بين الشعوب التي تكنّ تعاطفاً تجاه بعضها البعض".

 خيانة

يقول مسؤولون فلسطينيون إنهم يشعرون بالخيانة من جانب إخوانهم العرب؛ لإقامتهم علاقات مع إسرائيل دون المطالبة أولاً بإحراز تقدّم باتجاه إقامة دولة فلسطينية.

وفي رام الله، الواقعة بالضفة الغربية المحتلة، دعا واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الدول العربية إلى مراجعة العلاقات مع إسرائيل.

وقال لـ"رويترز" عبر الهاتف "الدول العربية التي أنشأت علاقات تطبيع مع دولة الاحتلال مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، بإعادة النظر في هذه الاتفاقيات".

وأضاف "المطلوب اليوم هو فرض طوق وعزلة شاملة على دولة الاحتلال، وعلى هذه الحكومة بسياساتها الفاشية، وأن يتم فضح جرائمها أمام العالم".

المشهد الفلسطيني عام 2023
وقد لا يعدو هذا كونه مجرد أحلام.

فلا يبدو أن هناك مؤشراً على أن اتفاقيات إبراهيم في خطر، برغم كونها قد لا تحظى بشعبية كبيرة في الشارع العربي، لكن الخيارات الفلسطينية محدودة.

وتعهد نتنياهو بالبناء على الإنجاز الذي حققه خلال ولايته السابقة، فيما يتعلق باتفاقيات إبراهيم، التي مهدت الطريق لتطبيع محتمل للعلاقات مع دول عربية أخرى.

ويتطلع نتنياهو لتعزيز العلاقات حتى مع السعودية، الأكثر تحفظاً وحذراً، وصاحبة الثقل في الشرق الأوسط.

وقال لقناة العربية السعودية الشهر الماضي "السلام مع السعودية سيخدم غايتين… سيغير منطقتنا بطرق لا يمكن تصورها. وأعتقد أنه سيسهل في نهاية المطاف التوصل لسلام فلسطيني إسرائيلي".

وتشهد السعودية انفتاحات إلى حد ما تحت قيادة حاكمها الفعلي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لكنها لا تبدو مستعدة للتطبيع مع إسرائيل في ظل غياب التقدم في سعي الفلسطينيين لإقامة دولة.

وقالت روان أبو زيد (18 عاماً) وهي من سكان قطاع غزة "التطبيع مع إسرائيل ما راح يخدمنا بالمطلق، بالعكس راح تزيد القسوة علينا، وراح تيجي حرب ومشاكل ومجازر".

العرب لا يريدون التطبيع!

خلال السنوات الماضية، مع تراجع الاهتمام الشعبي العربي بالقضية الفلسطينية بسبب عدة عوامل، أهمها الأزمات الداخلية التي تعيشها بعض البلدان العربية بسبب الثورات، مثل مصر وليبيا وسوريا وتونس، شعرت إسرائيل بأن الوقت هو الأنسب لمزيد من التطبيع العربي الشعبي مع دولة الاحتلال، إلا أن عام 2022 كان يقول عكس ذلك.

فخلال مونديال كأس العالم، الذي أقيم في قطر شهري نوفمبر وديسمبر من العام الماضي، كانت القضية الفلسطينية حاضرة بشكل كبير بين الجماهير العربية التي حضرت المونديال وأيضاً جماهير دول أمريكا اللاتينية.

كذلك واجه الإسرائيليون الذين حضروا إلى قطر لحضور كأس العالم حالة من النبذ وعدم الارتياح من كل الجماهير العربية تقريباً، وقد شاهدنا ذلك أمام شاشات التلفزيون، ممثلاً في رفض العرب الظهور على قنوات إسرائيلية.

هذه الأحدث وما بعدها وخاصة استطلاعات الرأي التي كشفت عنها صحف عبرية أظهرت أن أكثر من 80% من العرب لا يريدون التطبيع مع إسرائيل، مما سبب صدمة للسياسيين في إسرائيل ووضع قادة الدول العربية حديثة التطبيع في مأزق أخلاقي مع شعوبها.

وقد تكون الإمارات التي بدت كأنها قاطرة التطبيع العربي مع إسرائيل هي أكبر الخاسرين من هذه النتائج، إذ بات أمامها عقبات كبيرة عربياً في ترويج مشروعها للتطبيع مع إسرائيل.