الخميس 25 نيسان 2024

هل يؤدي اغتيال شيرين أبو عاقلة لموجة جديدة من المقاومة؟


النهار الاخباريه  القدس

أعين الشباب الفلسطيني الغاضب من مشهد استشهاد شيرين أبو عاقلة تخيف إسرائيل"، التي لا تخشى على سمعتها الدولية فقط من تداعيات الجريمة، ولكنها قلقة بشكل خاص من حدوث موجة من الهجمات من قِبل الشباب الفلسطيني الغاضب، خاصة في مخيم جنين الذي وقع الحادث على أعتابه.
وقالت أوريت بيرلوف، الباحثة بمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي والمتخصصة في مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية، إن اغتيال الصحفية الفلسطينية الأمريكية المخضرمة، شيرين أبو عاقلة، برصاص يُعتقد أن جنوداً إسرائيليين أطلقوه في أثناء مداهمة عسكرية بالضفة الغربية صباح الأربعاء 11 مايو/أيار، سيؤدي إلى تصاعد التوتر في الأراضي العربية المحتلة وزيادة الهجمات ضد الإسرائيليين، علاوة على التسبب في أضرار دبلوماسية لإسرائيل.
وزعمت بيرلوف أن "دعوات الانتقام بدأت بالفعل الآن على وسائل التواصل الاجتماعي"، وأن إسرائيل عليها أن "تبدأ العمل لإحباط الهجوم القادم"، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times Of Israel الإسرائيلية.

واستُشهدت مراسلة "الجزيرة" شيرين أبو عاقلة، بعد إصابتها برصاص الجنود الإسرائيليين، مع أنها كانت ترتدي سترة الصحافة وخوذتها الزرقاء وتعلن بوضوحٍ كونها صحفية، في أثناء اقتحام قوات الاحتلال مخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة. وأظهرت لقطات مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي جثمان شيرين على الأرض وهي غارقة في دمائها، ثم شوهد شاب فلسطيني يسحب جثمانها من مكان الحادث قبل لحظات من إعلان وفاتها.
وطعنت منظمة بتسيلم اليسارية الإسرائيلية الحقوقية في رواية نشرتها وزارة الخارجية الإسرائيلية وجيش الاحتلال ومسؤولون إسرائيليون آخرون، زعموا من خلالها أن مراسلة الجزيرة قُتلت برصاص فلسطيني، وقالت المنظمة الحقوقية إن مقطع الفيديو الذي نشره مسؤولون إسرائيليون من المستبعد أن يكون له ارتباط بحادث اغتيال "أبو عاقلة".
وكان الجيش الإسرائيلي قال إن الحادث وقع في أثناء تبادل لإطلاق النار بين قواته ومسلحين فلسطينيين، وزعم أنه رصد "إصابات"، إلا أن التقارير لم تورد سقوط ضحايا فلسطينيين في موقع الحادث، ولم تتحدث إلا عن استشهاد "أبو عاقلة" وإصابة صحفي "الجزيرة" على السمودي الذي أصيب بالرصاص في ظهره.

انتقادات دولية لجرائم إسرائيل ضد الإعلام

ويُتوقع أن تواجه إسرائيل انتقادات عامة ودبلوماسية، على المدى القصير إن لم يكن لما بعده.
كانت طائرات إسرائيلية قصفت، العام الماضي، برجاً سكنياً في قطاع غزة تستخدمه وسائل إعلام دولية، ثم استغرق جيش الاحتلال عدة أشهر يحاول فيها أن يبرر لوسائل الإعلام الأسباب التي ادَّعى أنها دفعته إلى قصف المبنى، إلا أن الضرر الدبلوماسي كان قد وقع بالفعل.

نالت من إسرائيل انتقادات مماثلة في أعقاب الهجوم الذي شنته قوات إسرائيلية على السفينة التركية "مافي مرمرة"، بعد أن اعترضتها البحرية الإسرائيلية وهي في طريقها لخرق الحصار الإسرائيلي على غزة في عام 2010.
وسبق أن واجهت إسرائيل قبل عقد من الزمان، انتقادات دولية استمرت مدةً طويلة، بعد أن قتل جنود إسرائيليون في قطاع غزة، الطفل الفلسطيني محمد الدرة وهو في حضن أبيه.

قد تستطيع تجاوز الأزمة الدبلوماسية، ولكنها لا تعرف ماذا تفعل مع المقاومة؟

ذهبت بيرلوف إلى أن إسرائيل يمكنها بمرور بعض الوقت، أن تحل أي أزمة دبلوماسية قد تنجم عن حادث مقتل "أبو عاقلة"، إلا أنه يستعصي عليها أن تجد حلاً للهجمات الفلسطينية المتوقعة.
وقالت بيرلوف: "أي كلمات تُقال لا يمكنها أن تنقض ما رأته أعين الشباب الفلسطينيين في مقطع الفيديو، فهم يرون شاباً فلسطينياً يسحب امرأة ملطخة بالدماء"، ومن ثم فإنه "من الناحية العملية، فإن الهجوم القادم في طريقه بالفعل"، حسب تعبيرها.
وفي تقرير آخر بعنوان "سواء أكان حادثاً أم اغتيالاً، مقتل شيرين أبو عاقلة ينذر بتأجيج التوتر في الضفة الغربية"، سلَّطت صحيفة The Times البريطانية، الضوء على التداعيات المتوقعة لمقتل شيرين أبو عاقلة، في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

استشهاد شيرين أبو عاقلة يطلق موجة غضب في جنين

وقالت الصحيفة البريطانية إن مقتل مراسلة "الجزيرة" استدعى مخاوف في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وتعود بعض أسباب ذلك إلى تاريخ مخيم جنين نفسه الذي حدثت فيه الواقعة، فالمخيم الفلسطيني الواقع في الضفة الغربية المحتلة سبق أن شهد قتالاً عنيفاً منذ أكثر من عقدين، بعد أن اقتحمته القوات الإسرائيلية في أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وقتلت عشرات الفلسطينيين.
وخاض مقاومون من أبناء المخيم معركة تاريخية، وقعت في أبريل/نيسان من العام 2002، والتي تحوّلت إلى رمز للصمود الفلسطيني، حيث أسفرت عن استشهاد 52 فلسطينياً، وفق تقرير للأمم المتحدة حينها، وتدمير غالبية مساكن المخيم، ولكنها أدت أيضاً إلى خسائر كبيرة في أوساط الجيش الإسرائيلي، حيث قُتل 23 جندياً، منهم 13 جندياً قُتلوا في يوم واحد إثر تعرضهم لكمين، من بينهم قائد وحدة الهبوط المظلّي الإسرائيلي (الكوماندوز)، وهو ما جعل رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت، أرئيل شارون، يصف ذلك اليوم بـ"العصيب".
وترسخت مكانة مخيم جنين وتواترت الروايات عن بسالة مقاومته في الذاكرة الشعبية الفلسطينية. 

المخيم خارج عن نفوذ السلطة الفلسطينية

لكن مخيم جنين يرمز من جهة أخرى إلى تآكل نفوذ السلطة الفلسطينية، التي لم تعد لكثير من الفلسطينيين إلا هيئة استبدادية تدير الضفة الغربية. ومنذ أكثر من عشرين عاماً، كانت جنين تُعرف بمخيم "الشهداء"، فهي موقع انطلاق الفدائيين الذين كانوا يشنون الهجمات على البلدات الإسرائيلية في أثناء الانتفاضة.
وتشك قوات الاحتلال الآن في أن حركات المقاومة الفلسطينية، مثل حركة الجهاد الإسلامي، اتخذت من المخيم قاعدة لإطلاق الهجمات الأخيرة في تل أبيب، وأصبحت السيطرة على المخيم معضلة لا تواجه الحكومة الإسرائيلية فحسب، بل السلطة الفلسطينية المنهارة بالفعل. وقد حاول رئيس السلطة، محمود عباس، تعزيز نفوذه في المخيم بحظر الاحتفال العلني بفعاليات حركة الجهاد، ومنع الاحتفاء بأنصار "حماس" المفرج عنهم من السجون الإسرائيلية، إلا أن ذلك لم يؤدِّ إلا إلى تأجيج الغضب في جنين.

وشعبية المقاومة في ازدياد على حساب عباس

في الوقت الذي أخذت فيه هيمنة محمود عباس تتراجع، فإن شعبية المقاومة الفلسطينية في ازدياد، والسخط على إسرائيل في تفاقم. وقد حاولت إسرائيل أن تتخذ من اتفاقات أبراهام وسيلة لإعادة صياغة سياسات الشرق الأوسط على أساس من التحالف مع بعض الدول العربية في مواجهة إيران، إلا أن هذا الإجماع يعتمد أيضاً على تنحية الخلافات البارزة حول مستقبل الفلسطينيين جانباً.
ينذر التدهور في صحة محمود عباس بأزمةٍ على وشك الحدوث، فالصراع الشرس على خلافته في قيادة السلطة الفلسطينية قد يؤدي إلى ابتعاد الوضع عن مسار المصالحة المتذبذب بين الإسرائيليين وبعض الدول العربية. ومن ثم، فإن مقتل شيرين أبو عاقلة منعطف خطير، قد يكون بداية لمزيد من الاضطراب في المستقبل.