الأربعاء 24 نيسان 2024

هل كان أدولف هتلر يهودياً بالفعل؟ تصريحات روسية وغضب إسرائيلي، فما قصة الزعيم النازي


النهار الاخباريه وكالات

ثارت ثائرة إسرائيل وتطالب باعتذار روسي بعد تصريحات قالت إن الزعيم النازي أدولف هتلر كان يهودياً، فما قصة ذلك الزعم؟ وهل كان هتلر يهودياً فعلاً؟ وما علاقة أوكرانيا بالقصة؟
"ماذا يعني كون (الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي يهودياً؟ هذه الحقيقة ليست دليل نفي لوجود عناصر نازية في أوكرانيا، فأنا أعتقد أن هتلر أيضاً كانت تجري في عروقه دماء يهودية، وهذا لا يعني أي شيء على الإطلاق. اليهود الحكماء قالوا إن أكثر المعادين للسامية شراسة هم في العادة يهود، وكل عائلة فيها البطة السوداء كما يقال".
أدلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بهذا التصريح خلال مقابلة له مع قناة إيطالية، الأحد 1 مايو/أيار، وهو ما أثار عاصفة غاضبة في إسرائيل وعدد من العواصم الغربية، بحسب تقرير نشرته صحيفة Washington Post الأمريكية، عنوانه "جذور الزعم بوجود دم يهودي في عروق هتلر".

ما قصة تصريحات لافروف؟

قبل الدخول إلى أصل قصة أصول هتلر اليهودية المزعومة، نتوقف عند سياق تصريحات لافروف التي أصابت المسؤولين الإسرائيليين بحالة من الغضب الشديد، إذ جاءت تلك التصريحات في سياق توضيح وزير الخارجية الروسي لموقف موسكو الخاص من الهجوم على أوكرانيا.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصف الهجوم على أوكرانيا بأنه عملية عسكرية خاصة، هدفها منع عسكرة كييف والقضاء على النازيين في الحكومة الأوكرانية، بينما يقول الغرب إن الهجوم الروسي، الذي اقترب شهره الثالث من الانتصاف، عبارة عن غزو لم يكن له ما يبرره.
والأزمة الأوكرانية هي بالأساس أزمة جيوسياسية، حيث تسعى كييف للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وهو ما ترى فيه روسيا تهديداً مباشراً لها واعتداء على أمنها القومي، بينما يرى الغرب بقيادة الولايات المتحدة أن الرئيس بوتين يسعى لاستعادة أمجاد روسيا القيصرية، والسيطرة على دول أوروبا الشرقية كما كان الحال أيام الاتحاد السوفييتي السابق.
وفي هذا السياق، تصف موسكو زيلينسكي وحكومته بأنهم "نازيون"، وهو ما تنفيه كييف بطبيعة الحال، وتستخدم أوكرانيا حقيقة كون الرئيس زيلينسكي يهودياً، كأبرز أدلتها على عدم صدق الرواية الروسية، ومن هنا جاءت تصريحات لافروف.
وأثارت تصريحات وزير الخارجية الروسي غضب نظيريه الإسرائيلي يائير لابيد والأوكراني دميترو كوليبا، وقامت إسرائيل باستدعاء السفير الروسي لديها إثر هذا التصريح. واستدعى لابيد السفير الروسي الإثنين، الثاني من مايو/أيار، للحصول على "توضيحات" لتصريحات لافروف.

ورغم أن لافروف لم يتطرق للهولوكست من بعيد ولا من قريب، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت ندد باستخدام إبادة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية "كأداة سياسية"، وقال في بيان صادر عن مكتبه "لا يمكن مقارنة أي حرب بالهولوكوست.. يجب التوقف فوراً عن استخدام الإبادة الجماعية لليهود كأداة سياسية".
كما أدان داني دايان، رئيس النصب التذكاري الإسرائيلي للمحرقة اليهودية ياد فاخيم، تصريحات سيرغي لافروف، معتبراً أنها "تصريحات لا أساس لها من الصحة، وواهية وخطيرة". كما أعرب وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا عن أسفه، لأن "سيرغي لافروف لا يستطيع إخفاء معاداةٍ للسامية متجذرة لدى النخب الروسية". وكتب على تويتر: "هذه التعليقات البغيضة تسيء إلى الرئيس زيلينسكي وأوكرانيا وإسرائيل والشعب اليهودي".
مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولياك وصف تصريحات لافروف بأنها معادية للسامية بكل وضوح، وبأنها دليل آخر على أن روسيا هي خليفة الأيديولوجية النازية".  
وصرح رئيس الإدارة الرئاسية الأوكرانية أندريو يرماك من جهته بأن "معاداة السامية في روسيا هي اليوم أكثر وضوحاً"، و"تبين تغلغل نظريات المؤامرة التي تقوم عليها دائماً الأنظمة الديكتاتورية".

ما قصة أصل هتلر اليهودي؟

تصريحات لافروف أعادت مرة أخرى الحديث عن أصول "يهودية مفترضة" لأدولف هتلر، تعود إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية. والقصة مرتبطة بشائعات انطلقت في ألمانيا قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بسنوات طويلة، وبالتحديد مع بزوغ نجم أدولف هتلر كزعيم لألمانيا، التي كانت واقعة تحت العقوبات بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى.
ففي عشرينيات القرن الماضي، ومع بروز هتلر، مؤسس الحزب الاشتراكي القومي، على الساحة السياسية في ألمانيا، أطلقت "تكهنات بأنه قد تكون له أصول يهودية"، وغذّى تلك التكهنات خصومه السياسيون، ثم عزّزها وصوله إلى السلطة في 1933، بحسب تقرير لموقع فرانس24.

المؤرخ النمساوي رومان ساندغروبر قال للموقع الفرنسي إن ألويس والد هتلر، الذي ولد في 1837، وتوفي في 1903 عندما كان ابنه في الرابعة عشرة، كان "ابناً غير شرعي، والده غير معروف".

وبعد الحرب العالمية الثانية أحيا المجرم النازي هانز فرانك، الذي يُعرف بـ"جلاد بولندا" هذه النظرية، فقد تضمّنت مذكراته التي تحمل عنوان "مواجهة المشنقة"، ونُشرت في 1953 بعد سنوات على إعدامه، أنه حقق سراً في أصول أدولف هتلر بناء على طلب الزعيم النازي نفسه.

وكتب فرانك "كان ذلك في نهاية 1930 على الأرجح. استدعاني هتلر الذي كان يعتبر نفسه ضحية "ابتزاز بغيض" لقريب له بسبب وجود "دم يهودي يسري في عروقه"، حسب مقتطفات من المذكرات التي نشرتها المجلة الألمانية دير شبيغل حينذاك.
وأجرى فرانك تحقيقه، وقال إنه اكتشف أن ماريا آنا شيكلغروبر، جدة هتلر لأبيه أنجبت صبياً هو ألويس، عندما كانت تعمل طاهية لدى عائلة يهودية تحمل اسم فرانكنبرغر في مدينة غراتس النمساوية. ويروي فرانك أن رب العمل دفع لها لاحقاً نفقة غذائية إلى أن بلغ الطفل الرابعة عشرة من العمر، مع تبادل رسائل تثبت أبوته المزعومة.


لكن حسب الرواية التي قدمها هتلر فقد أقنعت جدته وزوجها المقبل يوهان هيدلر، الرجل بأنه الأب للحصول على المال منه، لكن المؤرخين شككوا في هذه المعلومات، بحسب تقرير الموقع الفرنسي وتقارير أخرى لوسائل إعلام غربية.

ماذا عن الأدلة التاريخية؟

إيان كيرشو، المؤرخ البريطاني، ذكر في سيرة هتلر الذاتية المنشورة عام 1998 أنه "لم تكن هناك أسرة يهودية تسمى فرانكينبرغر في غراتس خلال ثلاثينات القرن التاسع عشر"، وأضاف أنه كانت هناك عائلة باسم فرانكينرايتر تعيش في البلدة المذكورة، لكنها لم تكن عائلة يهودية، ولا يوجد دليل على أن ماريا آنا (جدة هتلر) عاشت في غراتس أبداً، بحسب تقرير واشنطن بوست.

أما المؤرخ النمساوي رومان ساندغروبر فقال للموقع الفرنسي إنه عندما حدثت هذه الوقائع "لم يكن لليهود الحق في الإقامة في غراتس"، معتبراً أنه لا يرى "دليلاً ملموساً" يدعم فرضية وجود أصول يهودية لهتلر.

كما كتب عوفر إديريت، الصحفي المتخصص في هذا المجال لصحيفة هآرتس الإسرائيلية "من كان جد هتلر في الواقع؟ إنه سؤال لا يمكن الإجابة عنه". وأضاف أن البعض قالوا إن هذه المعلومات كانت "محاولة من جانب النازيين لتقديم تفسير لهزيمتهم في الحرب العالمية الثانية". وتابع إديريت أن "آخرين أكدوا أن اضطهاده لليهود نتج عن الخزي الذي شعر به بسبب أصله اليهودي جزئياً. لكن الحقيقة هي أنه لا يوجد دليل تاريخي على أي من ذلك".

وبالعودة إلى ردود الأفعال على تصريحات لافروف، نجد أن دولاً أخرى كإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة نددت بشدة بتلك التصريحات، وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية ستيفن هيبيستريت: إن هذا التصريح "عبثي" و"الدعاية الروسية التي ينشرها سيرغي لافروف لا تستحق حتى أن نعلق عليها".
رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي اعتبر من جهته تصريحات لافروف "فظيعة"، وقال خلال مؤتمر صحفي مساء الإثنين "وفيما يخص الإشارة إلى هتلر، فهذا شنيع حقاً". وقالت البعثة الأمريكية لمناهضة السامية على تويتر: "التحجج بأكذوبة تطهير أوكرانيا من النازية، في دولة لديها رئيس يهودي وجالية يهودية كبيرة تعيش في سلام مع مواطنيها، هو حماقة لا أساس لها من الصحة". 
اللافت هنا هو أن أوكرانيا كانت قد رفضت عرضاً إسرائيلياً باستضافة مفاوضات وقف إطلاق النار بين كييف وموسكو، ووجه زيلينسكي نفسه انتقادات مبطنة لموقف إسرائيل، حيث دعا في خطاب ألقاه في نهاية مارس/آذار أمام أعضاء في البرلمان الإسرائيلي، تل أبيب إلى "اتخاذ قرار" من خلال دعم أوكرانيا ضد روسيا، وطالب الدولة العبرية بتزويدها بالسلاح. وقال مسؤولون إسرائيليون إن إسرائيل قدمت بشكل ملحوظ معدات حماية لأوكرانيا، لكنها لم ترسل أسلحة حتى الآن.