السبت 27 نيسان 2024

من قدس الأقداس إلى مدينة للملاهي.. كيف تسعى إسرائيل إلى طمس الهوية الدينية في القدس؟


النهار الاخباريه  القدس 

تخطط إسرائيل لإنشاء خط تلفريك في البلدة القديمة في القدس المحتلة، في إطار مخطط تهويدها بالكامل والقضاء على أي فرصة لأن تصبح عاصمة مستقبلية لفلسطين، فما قصة مدينة الملاهي التي يريد المستوطنون تشييدها؟
صحيفة New York Times الأمريكية نشرت تفاصيل القصة في تقرير لها بعنوان "مدينة مقدسة أم مدينة ملاهٍ؟ إسرائيل تخطط لإنشاء خط تلفريك إلى القدس القديمة"، ألقى الضوء على المشاريع التي تشارك في تخطيطها وتمويلها منظمات استيطانية متطرفة.
المخطط الاستيطاني يعتبر أحد محاور المحاولات الإسرائيلية التي لا تتوقف لتهويد القدس بشكل كامل، على الرغم من كونها أراضي فلسطينية محتلة. ويتزامن هذا المخطط مع ازدياد وتيرة اقتحام المستوطنين المتطرفين للمسجد الأقصى في حماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يقول الفلسطينيون إنه مخطط لفرض التقسيم الزماني والمكاني وتغيير الوضع القائم في المسجد منذ ما قبل تأسيس إسرائيل على أراضي فلسطين بعقود طويلة.

ما قصة التلفريك في القدس؟

تُعَد سلسلة التلال الخلابة في القدس، الغارقة في التاريخ القديم، وجهةً مفضلة للزوار الذين يأتون لالتقاط صور بانورامية للقباب والأبراج في المدينة القديمة عبر وادٍ مشجر أدناها.
يعتقد الكثيرون أن التلال هي الموقع الذي تآمر فيه يهوذا لخيانة المسيح، وفقاً للتراث المسيحي. في المستقبل غير البعيد، إذا شقَّ المطورون طريقهم إلى هذه المنطقة، فسوف يتمكَّن الزوار من الانزلاق من هذه المنطقة المرتفعة إلى الوادي الأخضر المعروف باسم غابة السلام على خط تلفريك، بحسب تقرير الصحيفة الأمريكية.
يُعَد الخط واحداً من عدد من مناطق الجذب المخطط لها والتي صُنِّفَت على أنها جاذبةٌ للسياح وطريقة لتسهيل الوصول إلى المواقع ذات الأهمية التاريخية، ويضم المخطط تلفريك وجسر للمشاة ومراكز للزوار، إلى جانب مزرعة نموذجية بُنِيَت بالفعل.
لكن التلال والوادي تحتها يمتدان على طول خط التماس شديد الحساسية بين القدس الشرقية المحتلة ذات الغالبية الفلسطينية والجانب الغربي الذي يغلب عليه الطابع اليهودي من هذه المدينة المقدسة التي تريد إسرائيل أن تجعلها عاصمة لها.
علم إسرائيلي يرتفع في مدينة القدس المحتلة، تعبيرية/ رويترز
وتمثل التلال جزءاً من المشهد التاريخي حول أسوار المدينة القديمة المعروفة باسم الحوض المقدس، وهي منطقة مليئة بالآثار والأضرحة للديانات التوحيدية الرئيسية الثلاث.
ويقول النقاد لذلك المخطط إن المشاريع المخطط لها ستحوِّل ما تبقى من المناظر الطبيعية المفتوحة والمتدحرجة حول المدينة القديمة إلى ما يشبه ديزني لاند، وسوف تشوِّه الأفق الأيقوني.
بينما يرى المعارضون أن هذه الخطط جزءٌ من استراتيجيةٍ سياسية أكبر لمحو الخط الفاصل بين القدس الشرقية والغربية، في إطار المخطط الإسرائيلي الهادف إلى فرض الأمر الواقع بالقوة والمطالبة بالسيادة على القدس بأكملها.
وفي هذا الإطار، يرى المعارضون لتلك المخططات الإسرائيلية أن الهدف منها هو التأكيد على التاريخ والثقافة اليهودية للمناطق الحساسة دينياً وسياسياً، والتقليل من شأن هويتها الإسلامية أو المسيحية أو الفلسطينية، أو حتى الطمس الكامل لأي من تلك الهويات الأخرى.

محاولة طمس الهوية الدينية في القدس

ولا يمكن استبعاد ما تعنيه مشاركة منظمة خاصة للمستوطنين اليهود في هذا المخطط في القدس، فذلك لا يؤدي إلا لتأجيج هذه المخاوف. وقال أوري إرليش من إميك شافيه، وهي جماعة إسرائيليّة تعارض استغلال التراث الثقافي كأداة سياسية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، للصحيفة الأمريكية: "لا أحد يقول إنه لا يوجد الكثير من التاريخ اليهودي هنا، لكن ذلك يعتمد على القصة التي تريد سردها".
ومن جانبهم يزعم المطورون أن الخطط -التي كان بعضها قيد العمل منذ سنوات- ستعيد الحياة إلى المناطق المهملة منذ فترة طويلة والتي كان من الصعب الوصول إليها، والتي هي عرضةٌ للتخريب والحرق العمد.
لكنهم قد يخلون أيضاً بالتوازن الدقيق في القدس، والذي هو دائماً متقلب. شهد الشهر الماضي تصاعداً في التوترات، خاصة حول المدينة القديمة. وتمت الموافقة على معظم المشاريع في اللجان الحكومية دون الكثير من التدقيق العام، لذلك كان هناك القليل من النقاش حول التأثير المحتمل، كما تقول "نيويورك تايمز" في تقريرها.
وتضيف الصحيفة الأمريكية أن الكثير من الأراضي المعنية كانت حتى الآن مساحات خضراء مفتوحة مع القليل من التنمية أو غيابها تماماً.

بالإضافة إلى خط التلفريك، تشمل الخطط جسراً معلقاً للمشاة عبر مساحة خضراء محفوظة أسفل أسوار المدينة القديمة المعروفة باسم وادي الربابة، أو وادي هنوم باللغة العبرية، وهو موقع القرابين القديمة والمدافن.
ومن المقرر أن ينقل التلفريك المثير للجدل الزائرين عبر الوادي نحو المدينة القديمة والحائط الغربي، وهو موقع يقول اليهود إنه مقدس لهم.
استولت إسرائيل على القدس الشرقية من الأردن في حرب عام 1967 ثم ضمتها إليها، في انتهاك صارخ للقانون الدولي، علماً بأن الغالبية الساحقة من دول العالم لا تزال تعتبر القدس الشرقية أرضاً محتلة ولا تعترف بضم إسرائيل لها.

منظمة إلعاد ودورها في المخطط الاستيطاني

منظمة المستوطنين اليهود الخاصة، مؤسسة مدينة داوود، أو "إلعاد" بالاختصار العبري، تشارك مع الوكالات الحكومية المحلية والوطنية للمساعدة في تطوير مناطق الجذب. وتقدم هذه الوكالات الكثير من التمويل، بحسب تقرير صحيفة نيويورك تايمز.


وتكرس منظمة إلعاد نفسها لتطوير ما يروج له كثير من الخبراء اليهود على أنه مدينة داود التوراتية -المدينة الملكية الأصلية لنبي الله داود قبل ثلاثة آلاف عام- وكان المشروع الرئيسي لتلك المنظمة الاستيطانية اليهودية هو إدارة ما يزعمون أنها موقع مدينة داوود الأثري في سلوان، وهو حي فلسطيني في القدس الشرقية.


وسلوان حي فلسطيني يمثل الحامية الجنوبية للمسجد الأقصى، وتستهدف إسرائيل تهجير سكانه الفلسطينيين لصالح المستوطنين اليهود، كما هو الحال في حي الشيخ جراح وأحياء أخرى يقوم الاحتلال بتهجير السكان الفلسطينيين وهدم بيوتهم وبناء مستوطنات يهودية 

وتزعم الجمعيات اليهودية، ومنها منظمة إلعاد، أن ملكية الأراضي قبل أكثر من قرن ونصف القرن ترجع إلى يهود، أي قبل إعلان إسرائيل دولة عام 1948، وذلك على الرغم من امتلاك الفلسطينيين أوراقاً تثبت ملكيتهم للأراضي والمنازل، إلا أن المحاكم الإسرائيلية غالباً ما تصدر أحكاماً تصفها منظمات دولية بأنها أحكام سياسية لا سند قانونياً لها.
منذ أكثر من ثلاثة عقود، بدأت إلعاد في الحصول على عقارات حول الموقع، حيث بدأت أعمال التنقيب منذ أكثر من قرن، ونقلت العائلات اليهودية إلى المنازل هناك.
وقال دورون سبيلمان، نائب رئيس إلعاد، للصحيفة الأمريكية إن مجموعته تعمل لصالح اليهود والمسيحيين والمسلمين في القدس. وقال إن مهمتها كانت "جلب السائحين والتعليم والأثريين، بحيث يدخل شخص ما مشهداً توراتياً بالكامل ويمكنه الاتصال بهويته التاريخية وجذوره".
وقال سبيلمان إن المجموعات المعارضة للتنمية تفضل "إبقاء هذه المنطقة من القدس في حالة من الإهمال حتى يتمكنوا من تعزيز روايتهم القائلة بأن اليهود والعرب لا يمكنهم الازدهار معاً هنا تحت السيادة الإسرائيلية".

"الاستيطان السياحي"

من خلال تعزيز الوجود الإسرائيلي في القدس الشرقية المحتلة، تأمل المجموعة أيضاً في منع أي تقسيم مستقبلي للمدينة، بينما يريد الفلسطينيون أن تكون القدس الشرقية عاصمةً لدولتهم المستقبلية، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ومن المخطط أن يبدأ خط التلفريك الذي يبلغ طوله نصف ميل من نقطة على التلال، حيث استحوذت منظمة إلعاد على مبنى قديم منذ سنوات وحيث تقوم الآن بإنشاء مركز للزوار، وستنتهي الرحلة بالقرب من موقع تخييم ونشاط تديره إلعاد في غابة السلام الشاسعة.
أطلق بعض النقاد على المشاريع اسم "الاستيطان السياحي"، بناءً على مشاركة إلعاد وما يبدو أنه استراتيجيتها للتطوير، التي تعزز مطالبات إسرائيل بالحوض المقدس من خلال جلب الآلاف من السياح الإسرائيليين والأجانب إلى المنطقة.

قال أفيف تاتارسكي، من "عير عميم" وهي جماعة مناهضة للاستيطان تعمل من أجل حل عادل للإسرائيليين والفلسطينيين في القدس: "هذه ليست طريقة إلعاد المعتادة للتركيز على الجوانب التاريخية والدينية والأيديولوجية والأثرية". وقال إن المجموعة كانت تغير مسارها، في محاولة لمناشدة الجماهير بالترفيه لتغيير طابع هذه المناطق.
قد يستغرق استكمال خط التلفريك سنوات، بسبب مشكلاتٍ قانونية أو بيروقراطية أو تمويلية، مع ميزانيات تصل إلى ملايين الدولارات.
يقول الفلسطينيون المحليون إنهم يمتلكون بعض الأراضي التي يجري تطويرها في وادي الربابة، الذي أُعلِنَ كجزءٍ من متنزه أسوار القدس الوطني في عام 1974. وتقول سلطات الطبيعة والحدائق الإسرائيلية، التي اشتركت مع منظمة إلعاد في إعادة تشكيل الوادي، إن ملكية الأرض المتنازع عليها لم تُحدَّد بعد.