الخميس 25 نيسان 2024

كيف فشلت إسرائيل في خلق جيل فلسطيني متقبل ومستسلم لوجودها؟


تعديات الاحتلال على الفلسطينيين ازدادت وتيرتها في الفترات الأخيرة، اقتحاماتهم الليلية اليومية للمناطق الخاضعة للسلطة لاعتقال مطلوبين، ونصبها الحواجز على الطرقات بين مدن الضفة الغربية المفتتة أصلاً والمحاصرة، وتعدي المستوطنين اليومي وتغولهم على الفلسطينيين في الطرقات وفي أراضيهم وداخل قراهم التي تحاصرها المستوطنات من الشمال إلى الجنوب، كل ذلك أدى لنتيجة طبيعية واحدة وهي نهضة الشبان الفلسطينيين لمقاومة هذا المحتل الظالم المتغطرس الذي لا يشبع من مصادرة الأرض ولا من نهب خيراتها ولا من الفتك بأولادها والتضييق على أهلها وأبنائها.

ولننتبه أن مقاومة المحتل لم تتوقف نهائياً في أيما فترة منذ بدء قدوم الصهاينة محتلين لفلسطين إبان الاستعمار البريطاني لهذه البلاد وحتى هذه اللحظة، رغم أن المقاومة كانت تتعرض لفترات من المد والجزر، بحسب الظروف المحيطة، ولكن الصورة الجلية التي لا تخفى على أحد أن المحتل ومنذ بداياته لا يعترف إلا بأطماعه ولا يفهم إلا ما يصب في مصلحته، وينكر أي وجود لغيره في البلاد المسلوبة.

حاول هذا المحتل جاهداً لخلق واقع جديد في فلسطين، وحاول أقصى جهده أن يخلق جيلاً جديداً من الفلسطينيين الذين يتقبلون وجوده و أطماعه وينسون قضيتهم وقضية وطنهم، كما هو حال المحتلين دوماً..

ولنتذكر أن فلسطين ليست أول أرض محتلة، فقد سبقتها أراض كثيرة، وما أمريكا عنا ببعيدة، التي احتل فيها القادمون الجدد من الإسبان والبريطانيين أراضي الشعوب الأمريكية الأصلية في قارة أمريكا الشمالية.. حيث استطاعوا الفتك بالأمريكيين الأصليين، وتغريب من بقي منهم عن هويته.. لدرجة دفعت (مايكل هولي إيجل، أحد نشطاء الأمريكيين الأصليين أن يقول: "تاريخنا مكتوب بالحبر الأبيض، إن أول ما يفعله المنتصر هو محو تاريخ المهزومين. ويا ألله، ما أغزر دموعهم فوق دماء ضحاياهم، وما أسهل أن يسرقوا وجودهم من ضمير الأرض! هذه واحدة من الإبادات الكثيرة التي واجهناها وسيواجهها الفلسطينيون كذلك.. إنَّ جلّادنا المقدَّس واحد".

وليست أمريكا وحدها من الدول الحديثة من قامت على جثث أصحاب الأرض ودمائهم، أستراليا، الدنمارك… وغيرهما أيضاً. 

لكن عندما وصل الأمر إلى فلسطين، كان مختلفاً، لم يستسلم الفلسطينيون برغم الجهود الجبارة المبذولة لتغريبهم، ومسح هويتهم، وعدي التميمي أحد الشواهد على ما أقول! فالحقوق يا صديقي لا توهب ولكنها تُنتزع بالقوة. يردد الناس هذه المقولة، ولكن الفلسطينيين يختلفون!

وعى الفلسطينيون الدرس جيداً، فمضوا يدافعون عن حقهم بكل قوتهم وأصبحت الوصية المأثورة من الآباء للأبناء: "حافظوا عن هذه الأرض، ودافعوا عنها بكل قوتكم، وصلتنا بالوراثة من أجدادنا القدماء، فحافظنا عليها، وعليكم الحفاظ عليها أيضاً إلى يوم الدين".

البطل عدي التميمي، ابن الـ23 عاماً، ابن مخيم شعفاط.. نموذج من النماذج الفلسطينية المضيئة، حلقة في سلسلة طويلة ممتدة، ممن ضحُّوا، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من وقع في الأسر، ومنهم من ينتظر.. وكل بضعة أيام تترصد القلوب والأبصار الشاشات، مشتبكاً، ومطارداً، في عمليات تصور كاميرات المراقبة كافة تفاصيلها، العامل المشترك بين هذه العمليات هو شجاعة المقاوم، وجرأته، ووضوح الهدف أمامه.. عدي التميمي، عمران سليمان، أحمد جرار، أشرف نعالْوة، عمر أبو ليلى، عمر البرغوثي، منتصر الشلبي، صالح وعاصم البرغوثي، والقائمة تطول والأبطال كُثر، ولا مجال لذكرهم هنا. ولكن اللافت للانتباه أنه كلما تكررت العمليات ازداد من يعتزمون تنفيذ مثل هذه العمليات خبرة ووعياً.

الشهيد البطل عدي التميمي، فاجأنا بمقدار جرأته وإصراره على تحقيق الهدف الذي خرج من أجله حتى آخر نَفَس، لا نستطيع التوقف عن إعادة تشغيل الفيديو الذي يظهر فيه عندما ظهر فجأة في كاميرات المراقبة أمام مستوطنة معاليه أدوميم يحمل مسدسه ويطلق النار، قبل أن ينهال عليه الرصاص من كل حدب وصوب فيصيبه في ساقه ويقع أرضاً، يحاول أن يقف مرة أخرى ولكن إصابته تمنعه.. يستمر في إطلاق النار، يتمرغ أرضاً تحت ألم الرصاص الذي يخترق جسده دون أن يستسلم.. بل يقاوم ويقام ويقاوم بشموخ، ليس في جعبته إلا مسدس صغير، ولكن القضية ليس ما يحمل الشخص من سلاح، بل ما يحمله في قلبه من إيمان وإصرار وعزيمة.

12 يوماً من التفتيش والحصار لمخيم شعفاط، والمنطقة المحيطة، أمضاها جيش الاحتلال الذي  يدَّعي بأنه الجيش الذي لا يُقهر، منظومة أمنية بكامل أركانها بحثت ليل نهار عن عدي التميمي، برغم كاميرات المراقبة التي تنتشر في كل مكان تقريباً في القدس وشوارع الضفة ومفترقاتها، ورغم ذلك فشل فشلاً ذريعاً، وعاد إليهم عدي ليطاردهم ويشتبك معهم بمسدسه البسيط، ويقاتل بشجاعة منقطعة النظير.

مضى عدي إلى جوار ربه مقبلاً غير مدبر، وسيطل علينا بطل آخر مقاوم اليوم أو غداً أو بعد غدٍ على أبعد تقدير..