الجمعة 17 أيار 2024

فورين بوليسي: كيف خسرت إسرائيل حرب الثقافة مع الفلسطينيين؟ ‎

بعد قبول اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه مصر الأسبوع الماضي، أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ ”إنجاز لم يحققه أي جيش على الإطلاق" في حملة القصف الإسرائيلية على غزة التي استمرت 11 يومًا.

وفي الوقت نفسه، أعربت حركة ”حماس"، التي أطلقت أكثر من 4300 صاروخ، على إسرائيل، عن ”نشوة النصر".

ومهما كانت النتيجة العسكرية، يبدو من المرجح أنْ تحدد النتيجة النهائية لهذه الجولة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بعيدًا عن ساحة المعركة.

وفقا لمجلة ”فورين بوليسي"، ربما اختار نتنياهو الوقت الخطأ لشن غارات جوية على واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية على وجه الأرض، حيث تقل اعمار 50٪ من السكان عن 15 عامًا، وعلى وجه الخصوص اختار اللحظة الثقافية الخطأ.

لا شك أن هناك استمرارية قاتمة بين الحرب الأخيرة والهجمات السابقة على غزة، فعلى سبيل المثال، كما حدث في عملية الجرف الصامد في عام 2014، كان 25% من الوفيات في غزة من المدنيين بل ومن الأطفال على وجه الخصوص (66 طفلا من إجمالي 248 حالة وفاة).

ولم يغير الجيش الإسرائيلي تكتيكاته أو أعاد ضبط استخدامه للقوة، واستمر في الاعتماد على القوة الجوية ضد مساكن الفقراء في قطاع غزة.

إلا أن الاختلاف هذه المرة كان ”التعبيرالعنصري عن العنف" الذي امتزج مع الحديث العالمي حول العنصرية النظامية، هو ما يعد تغيّرا في إطار الصراع.

وتقول المجلة إن ”النقاش حول العرق والعنصرية في إسرائيل وفلسطين لديه القدرة على اكتساب زخم قوي بين جيل الشباب الذي يتحدى بلا كلل التقاليد والعادات المتوارثة بشأن القضايا العالمية من تغير المناخ إلى عدم المساواة الاقتصادية.

ويشكل اليهود الأمريكيون الشباب قوة حاسمة في هذا الواقع الثقافي المتغير، إذ يكافحون من أجل التوفيق بين وجهات نظرهم التقدمية بشأن السياسة والعرق وأفعال إسرائيل، ويتساءلون: ”لماذا يعني الوطن الآمن بالنسبة لنا إخضاع الآخرين؟".

وبينما تقف الشبكات العالمية مثل: حركة ”حياة السود مهمة" متضامنة مع الفلسطينيين، تلتفت الأنظار إلى النضال الأساس والعالمي من أجل التحرر العنصري، وهذه النزعة الجديدة للتشكيك في نقاط الحديث الإسرائيلية الرسمية قد أصلحت بالفعل المفردات في محادثة الولايات المتحدة حول الصراع بطرق لافتة.

وكان توقيت اندلاع الحرب محاطا بسلسلة من الأحداث المشحونة عنصريًا في القدس وأماكن أخرى، بما في ذلك مداهمات الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى في أول أيام رمضان وليلة القدر المقدسة، وإطلاق قنابل الصوت والصعق والرصاص المطاطي في أحد أقدس المواقع الإسلامية؛ والتهجير القسري الوشيك للعائلات العربية في حي الشيخ جراح بالقدس، والتي يفصل بينهم وبين استيلاء المستوطنين اليهود على منازلهم حكما قضائي واحد، والاشتباكات العنيفة بين المواطنين اليهود والعرب في بضع مدن إسرائيلية تثير شبح ”عمليات القتل الجماعي".

ولتنسيق هجماتهم ضد العرب، أنشأ الإسرائيليون القوميون المتطرفون قنوات على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل أسماء مثل ”الموت للعرب".

كما تم تنسيق الاعتداء الوحشي في الـ 12 من مايو/ أيار على رجل عربي تم سحبه من سيارته وهاجمه حشد من المتطرفين اليهود في إحدى ضواحي تل أبيب، من خلال تطبيق تلغرام.

وسلطت هذه الأحداث الضوء على مصدر ما يسمى بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني: احتلال على الطراز الاستعماري لطالما سعت الرواية الإسرائيلية الرسمية إلى إخفائه.

ولا تزال إسرائيل القوة المحتلة للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، حيث تفرض حصارًا عسكريًا على الرغم من خروج قواتها ومستوطنيها في عام 2005.

وداخل حدود إسرائيل نفسها، يتم التمييز ضد المواطنين العرب على أسس عرقية بطريقة منهجية توصف هذه الأيام بشكل متزايد بالفصل العنصري، ويعتبر العدد غير المتناسب للاعتقالات والإدانات ضد العرب بعد العنف الأخير بين العرب واليهود أحدث مؤشر على ذلك التمييز.

وساعدت هذه الظروف الاستعمارية في تفسير الاختلال الواضح في عدد القتلى، حيث شهد الجانب الإسرائيلي 12 حالة وفاة، في حين شهدت غزة 248 حالة وفاة.

وأوضحت المجلة أنه ”رغم قصف حماس للمدنيين الإسرائيليين، يجب الأخذ في الاعتبار أن إسرائيل محمية بنظام القبة الحديدية للدفاع الجوي، الذي منع 90٪ من الصواريخ، كما يمكن لمواطنيها اليهود الوصول إلى ملاجئ مضادة للقصف، وهذا التباين ليس صدفة، بل جزء لا يتجزأ من الأصول الاستعمارية للصراع ويضمن عدم المساواة في المعاناة".

ومن جانبها قدمت الولايات المتحدة 1.6 مليار دولار خصيصا لبطاريات القبة الحديدية، والصواريخ الاعتراضية، والصيانة كجزء من حزمة المساعدات البالغة 3.8 مليار دولار التي تقدمها سنويًا إلى إسرائيل، والتي تذهب بالكامل تقريبًا نحو المساعدة العسكرية ولا تشترط امتثال إسرائيل للمعايير الدولية للقانون الإنساني.

وتثير مواجهة واقع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين المزيد من الأسئلة غير المريحة لإسرائيل، وخاصة الفحص الدقيق لأعدائها، وهي مجموعات مسلحة مثل: حماس، ليس لديها شرعية دولية الأمر الذي غالبًا ما يجعل الشعب الفلسطيني ضحية مزدوجة.

إلا أن هؤلاء الأعداء قادرون على الترويج لدولة ترتكز على وعد بالمقاومة العسكرية للظالم، وفي الوقت نفسه، تجعل ظروف الاحتلال الوحشية على أشكال المقاومة السلمية التنافس مع الحركات المسلحة أصعب، حيث يبدو أن إسرائيل تحارب ظل مشروعها الاستعماري.

وتعتبر كل هذه العوامل مضرة للحكومة الإسرائيلية التي تدافع عن حملة استعمارية قديمة في ثقافة عالمية سريعة التغير، وعلى مدى عقدين من الزمان، تعززت روايتها الرسمية من خلال صيحة الحرب العالمية على الإرهاب، حيث صورت إسرائيل بلا هوادة على أنها ديمقراطية صغيرة وملتزمة تدافع عن نفسها ضد الغضب الذي لا يمكن تفسيره لحركة إرهابية إسلامية مدعومة بدوافع معادية للسامية.

وفي عام 2020، أشارت إحدى الصحف الإسرائيلية البارزة إلى أن العامل المشترك بين حركات ”حياة السود مهمة" و ”مي تو" هو هيمنة الآخرين على أجسام السود والنساء، وهذا التركيز العالمي المتزايد على طرق تشكيل التجربة الإنسانية من خلال علاقات القوة يقلب رواية نتنياهو ويلفت الانتباه إلى الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني الذي دام 54 عامًا.

وفي حين وجدت الرواية الإسرائيلية في أعقاب أحداث الـ 11 من سبتمبر جمهورًا مرحبا، أصبح للفلسطينيين الآن إمكانية الوصول إلى لغة اللحظة حيث ركعت قوات الأمن الإسرائيلية المفرطة القوة حرفيًا على أعناق المتظاهرين السلميين والمتظاهرين الذين يرفعون لافتات تقول ”لا يمكننا التنفس منذ عام 1948″، والتي تدمج قضيتهم مع قضية عالمية تتمحور حول النضال من أجل العدالة العرقية، والتي أشعلتها شرارة قضية مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة أمريكي.

وفي هذا الخطاب العالمي الناشئ، تعتبر حياة الفلسطينيين مهمة بقدر أهمية حياة الإسرائيليين، ولن يحمي أي انتصار عسكري إسرائيل من ”العدالة العنصر