الخميس 28 آذار 2024

سباق التسلح بين الجزائر والمغرب يؤدي ولأول مرة منذ قرنين إلى خلق توازن نسبي للبلدين مع دول أوروبية


النهار الاخباربه  وكالات
تشد الأزمة بين المغرب والجزائر اهتمام وسائل الإعلام الدولية وجزءا من الرأي العام، وبينما تستمر المقارنة العسكرية واحتمال اندلاع الحرب بين الطرفين، يرى الغرب هذه الأزمة من منظار آخر وهو ارتفاع كثافة التسلح في الضفة الجنوبية الغربية لبحر الأبيض المتوسط، مما بدأ – ولأول مرة منذ قرون – يهدد التوازن العسكري في المنطقة.
وتمر العلاقات بين المغرب والجزائر بأزمة لا سابقة لها خلال العقود الأخيرة، دفعت بالجزائر إلى إغلاق المجال الجوي في وجه الملاحة المغربية وقطع العلاقات الدبلوماسية علاوة على اتهام الجار الغربي بالتورط في مخططات غربية- إسرائيلية لتفكيك الجزائر. وتبرز تحاليل احتمال وقوع حرب بين الطرفين بعدما بدأت مؤشرات مقلقة في ظل حشد عسكري على الحدود بين البلدين.

سباق تسلح لأهداف متعددة

ومنذ سنوات يجري الحديث عن سباق التسلح بين البلدين، حيث يتصدران رفقة مصر وجنوب أفريقيا مبيعات الأسلحة في القارة الافريقية، ولا يوجد بلدان مجاوران يشهدان سباقا للتسلح مثل المغرب والجزائر سوى حالتين، الكوريتان الشمالية والجنوبية ثم السعودية وإيران.
ومنذ 2015، بدأ المغرب والجزائر بامتلاك أسلحة متطورة ونوعية، حيث تراهن الجزائر على الصناعة العسكرية الروسية والصينية ونسبيا الألمانية، بينما لم يعد المغرب يراهن فقط على الصناعة العسكرية الأمريكية والفرنسية بل الصينية والتركية لاسيما في ظل الشروط التي تفرضها الإدارة الأمريكية على مبيعات الأسلحة للمغرب.
ورغم وجود سباق تسلح بين البلدين، هناك عوامل أخرى تفسر رفع المغرب والجزائر للصفقات العسكرية، خاصة في حالة الجزائر التي تخصص ميزانية أكبر من المغرب مرتين وتوقع صفقات أسلحة أكثر. ويتحكم في التسلح الجزائري عاملان، الأول وهو التحول الى الدولة العسكرية الأولى في شمال أفريقيا وضمن القوى العسكرية الرئيسية في البحر الأبيض المتوسط. بينما الثاني شائك للغاية، وأشارت إليه "القدس العربي” في مناسبات سابقة، ويتجلى في اعتقاد الجزائر باحتمال تعرضها لمخطط غربي لتفكيكها كما حصل مع ليبيا إبان الربيع العربي، ولهذا رفعت من مستوى التسلح. وكان مخطط دول غربية وعلى رأسها فرنسا هو تفكيك ليبيا لخلق دولة جديدة تسيطر على منابع النفط وتكون في فلك الغرب وخاصة فرنسا.
وترافق روسيا الجزائر في هذا المخطط، ولهذا كانت الجزائر أول دولة تحصل على أسلحة نوعية للغاية مثل منظومة الدفاع إس- 400 قبل الصين بل وحصلت على نظام الضرب بالغواصات من قاع البحر ضد أهداف برية منذ سنة 2019 ، وهي تقنية تمتلكها دول قليلة في العالم آخرها فرنسا منذ السنة الماضية، بينما الدولة الثالثة التي لديها هذه القدرة هي إسرائيل وليست لدى تركيا ولا إسبانيا ولا إيطاليا.
ويبقى هدف روسيا الأول من تسليح الجزائر بأسلحة نوعية هو تحويلها الى حليف استراتيجي يكون شوكة عند الحدود الجنوبية للحلف الأطلسي، أي غرب البحر الأبيض المتوسط من إيطاليا إلى البرتغال. وعمليا، نجحت موسكو في الرهان، ويرى الغرب في الجزائر مصدر خطر لدول جنوب أوروبا.

هدف روسيا الأول من تسليح الجزائر بأسلحة نوعية هو تحويلها الى حليف استراتيجي يكون شوكة عند الحدود الجنوبية للحلف الأطلسي

من جانب آخر، يهدف المغرب إلى التسلح رغم إمكانياته المادية المحدودة لتحقيق توازن بين جارين، الأول وهو الجزائر التي قد تستفيد من قوتها العسكرية لفرض واقع جيوسياسي جديد في شمال أفريقيا، وكذلك حتى لا يجعل إسبانيا تتجاوزه عسكريا بشكل كبير بل يحقق التوازن النسبي الذي مفاده وإن خاضت إسبانيا الحرب وانتصرت فيها سيكون انتصارها بمثابة هزيمة نظرا للخسائر التي ستتعرض لها.
وكان المغرب يعاني من الشروط العسكرية للولايات المتحدة التي تبيعه أسلحة وتأخذ دائما بعين الاعتبار إسبانيا العضو في الحلف الأطلسي. وبالتالي، يعمل المغرب على تنويع مصادر شراء الأسلحة ويركز كثيرا على الصين ومؤخرا على تركيا. ويكفي أن النظام المضاد للطيران المتطور الذي يحمي بشكل كبير وقوي المجال الجوي المغربي هو من صنع صيني ويسمى "الدرع الدفاعي-2000″، كما أن سلاح الردع الذي يمتلكه المغرب هو رادعات صينية من نوع PHL 03. وبدأ يراهن كثيرا على الصناعة العسكرية التركية وكانت البداية مع الطائرات المسيرة المتطورة بيرقدار تي بي 2.

التوازن العسكري النسبي بين ضفتي البحر المتوسط

وتنظر إسبانيا بقلق كبير إلى التوجه الجديد للتسليح المغربي لأنه لا يعتمد على السوق الغربية التي تفرض شروطا مثل الأمريكية بل على صفقات متحررة من أي شروط. وهذا القلق الإسباني يمتد الى الدول الأوروبية لاسيما المطلة على البحر الأبيض المتوسط التي ترى كيف ينعكس عليها استقلالية قرار الصفقات العسكرية للمغرب والجزائر.

تنظر إسبانيا بقلق كبير إلى التوجه الجديد للتسليح المغربي لأنه لا يعتمد على السوق الغربية التي تفرض شروطا مثل الأمريكية بل على صفقات متحررة من أي شروط

ومنذ القرن التاسع عشر وحتى الآن، كانت الغلبة العسكرية للضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، وهو ما يفسر أحداثا تاريخية مثل الاستعمار الأوروبي لشمال أفريقيا أو تحكم عواصم مثل باريس في القرارات السياسية لدول شمال أفريقيا بعد مرحلة الاستقلال في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. لكن سباق التسلح بين المغرب والجزائر، ثم تنويع الصفقات العسكرية بدون شروط، وتوجه روسيا لجعل الجزائر قوة معاكسة لمصالح الحلف الأطلسي، بدأ يخلق واقعا جيوسياسيا جديدا آخذا في التبلور وهو بدء التوازن العسكري النسبي بين ضفتي غرب البحر الأبيض المتوسط.
ومن ضمن الأمثلة، لا يمكن لأي طائرة فرنسية خرق الأجواء الجزائرية بفضل نظام الدفاع الجوي إس- 400 الروسي، ولا يمكن لأي طائرة إسبانية خرق الأجواء المغربية بفضل نظام الدفاع الصيني "الدرع الدفاعي-2000″، ولا يمكن لأي نظام دفاعي فرنسي اعتراض صواريخ إسكندر أو كالبير الروسية الصنع الموجودة لدى الجزائر. كما لا يمكن لأي نظام اسباني قادر على اعتراض الراجمات الصينية. إن نظام الباتريوت الأمريكي المتطور فشل في السعودية أمام صواريخ محدودة التطور التي أطلقها الحوثيون، فكيف باعتراض أنظمة أوروبية لصواريخ وراجمات متطورة مثل الصينية والروسية.
مفهوم التوازن النسبي في المجال العسكري أن خسائر المنتصر ستكون مثلها مثل خسائر المنهزم في الحرب، وهو الوضع الحالي لضفتي غرب البحر المتوسط.
هذا التطور هو الذي جعل الغرب لا يقلق كثيرا من اندلاع حرب بين المغرب والجزائر لأن الحرب تعني استهلاك أسلحة متنوعة ضد بعضهما البعض وليس ضد دولة غربية.