الجمعة 29 آذار 2024

خط عسقلان - إيلات.. قصة خزان الوقود الذي استهدفته المقاومة،

النهار الاخباريه. وكالات

استهدفت الصواريخ الفلسطينية من قطاع غزة خط أنابيب إيلات – عسقلان بصورة مكثفة، فما قصة هذا الخط وعلاقته بالتطبيع بين إسرائيل والإمارات؟ وكيف يصبّ استهدافه في صالح مصر؟

تأتي قصة استهداف خط أنابيب إيلات – عسقلان من جانب الصواريخ التي بدأت تطلقها فصائل المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة المحاصر رداً على الاعتداءات الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة، كدليل واضح على تطور القدرات العسكرية التي تمتلكها تلك الفصائل، خصوصاً حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تحكم القطاع.

وأمس الثلاثاء 11 مايو/أيار قال مسؤول حكومي إسرائيلي وآخر في قطاع الطاقة لرويترز إن خطاً لأنابيب الوقود مملوكاً لشركة حكومية إسرائيلية أصيب في هجوم صاروخي، بينما أظهر مقطع فيديو بثته القناة 12 بالتلفزيون الإسرائيلي ألسنة اللهب تتصاعد مما يبدو أنه مستودع ضخم للوقود بالقرب من مدينة عسقلان الساحليه شمال تل ابيب
وبينما ذكرت القناة 13 بالتلفزيون الإسرائيلي أن عمليات التشغيل في محطة للطاقة في عسقلان لم تتأثر، إلا أن "كتائب القسام" -الجناح العسكري لحماس- قصفت اليوم الأربعاء 12 مايو/أيار مجدداً حقل صهاريج "كاتسا" جنوب عسقلان، الذي لا تزال النيران تشتعل فيه النيران منذ أمس، بـ20 صاروخاً من طراز Q20 رداً على قصف غزة.

متى بدأت قصة خط إيلات – عسقلان؟
تعود قصة تشييد خط أنابيب إيلات – عسقلان إلى ستينيات القرن الماضي وكان الهدف منه هو نقل النفط من إيران -التي كانت تحت حكم الشاه في ذلك الوقت وتتمتع بعلاقات وثيقة مع تل أبيب- إلى ميناء إيلات الإسرائيلي على خليج العقبة ثم ينقل النفط من خلال خط أنابيب من إيلات على البحر الأحمر إلى ميناء عسقلان على البحر المتوسط ومنه إلى أوروبا والولايات المتحدة.
وكان الهدف من ذلك الخط هو تفادي المرور في قناة السويس المصرية في ظل حالة العداء والحرب بين مصر -والدول العربية وقتها- وإسرائيل، ومع قيام الثورة في إيران عام 1979 وانتهاء حكم الشاه انتهى خط الأنابيب واختفى من الوجود، أو هذا ما كان يبدو.

ففي العام نفسه تقريباً وقّعت مصر وإسرائيل اتفاقية كامب ديفيد التي أنهت حالة الحرب بين البلدين وأقيمت علاقات دبلوماسية بينهما وأصبحت قناة السويس الممر الملاحي الأهم، ليس فقط للمنطقة ولكن لحركة التجارة العالمية بشكل عام، وتمثل القناة أحد أهم مصادر الدخل من النقد الأجنبي لمصر، إضافة بالطبع للأهمية الاستراتيجية الضخمة والتي توفرها القناة لمصر.

وفي هذا السياق، أظهرت أزمة السفينة العملاقة إيفرغيفن التي علقت في مجرى القناة وأغلقت الممر لمدة أسبوع في مارس/آذار الماضي، لتصبح هيئة قناة السويس وبالتبعية مصر في بؤرة الاهتمام العالمي لتعيد التذكير بالأهمية البالغة للقناة للعالم كله.

ما علاقة التطبيع الإماراتي بخط أنابيب عسقلان؟
بمجرد أن وقعت الإمارات وإسرائيل اتفاق التطبيع بينهما، بل بمجرد أن تم الإعلان عن هذا التطور منتصف أغسطس/آب 2020 من خلال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عاد الحديث مجدداً عن إحياء خط أنابيب إيلات –  عسقلان، لكن هذه المرة بهدف نقل النفط الإماراتي والخليجي المتجه شمالاً إلى أوروبا والأمريكتين دون المرور بقناة السويس.

وذكر تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أنه لم يكد يجف حبر التوقيع على اتفاق تطبيع العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل حتى وقع البلدان على اتفاقية هامة في مجال نقل وتسويق النفط.

"فقد وقع البلدان قبل أيام قليلة اتفاقاً مبدئياً يتعلق بشحن النفط الخام والمنتجات النفطية القادمة من دولة الإمارات، ثالث أكبر منتج للنفط في أوبك، إلى الأسواق الأوروبية عبر خط أنابيب للنفط في إسرائيل يربط بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، وليس عبر قناة السويس أو خط أنابيب سوميد المصري".

وكان من الطبيعي أن يثير هذا الإعلان حفيظة القاهرة التي يرتبط رئيسها عبدالفتاح السيسي بتحالف استراتيجي مع ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات الشيخ محمد بن زايد، ولم يكن متصوراً أن توجه أبوظبي -ما وصفه البعض- بطعنة كهذه لمصر التي يواجه اقتصادها بالفعل ظروفاً صعبة زادتها جائحة كورونا سوءاً.

نتنياهو دولة فلسطينية
توقيع اتفاق التطبيع/رويترز
لكن على أية حال أعاد ذلك التطور خط الأنابيب إيلات – عسقلان إلى واجهة الأحداث مرة أخرى، حيث كانت إسرائيل قد قامت ببنائه بالفعل بالاشتراك مع إيران عام 1968 لكن الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وضعت نهاية لتلك الشراكة وأصبح البلدان في حالة عداء مستحكم وقامت إسرائيل لاحقاً بتأميم الخط.

وفي عام 2016 أمرت محكمة سويسرية إسرائيل بدفع 1.1 مليار دولار أمريكي إلى إيران، بالإضافة إلى الفوائد المترتبة على المبلغ، لكن إسرائيل لا تزال ترفض دفع المبلغ متذرعة بقانون إسرائيلي يمنع "المتاجرة مع العدو".

وحسب موقع بلومبرغ الإخباري، يعامل الجيش والمسؤولون الإسرائيليون المعلومات المتعلقة بما يتم نقله عبر خط الأنابيب على أنها سرية للغاية، ثم جاء التوقيع على الاتفاقية التي أحيت الخط في أعقاب التطبيع الإماراتي، وحضر التوقيع وزير الخزانة الأمريكي السابق ستيفن منوشين في أبوظبي.

ووقتها قالت شركة خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية في بيان نقلته رويترز "إنها تجري مفاوضات متقدمة مع لاعبين رئيسيين في الغرب والشرق لإبرام اتفاقيات خدمة طويلة الأجل معهم".

وقال رئيس الشركة إيريز كالفون إن الاتفاقية "ستزيد من حجم تعامل الشركة مع اللاعبين الإقليميين والدوليين، وهي بلا شك تعتبر في غاية الأهمية من الناحيتين الاقتصادية والاستراتيجية لإسرائيل؛ لأن الاتفاقية تتضمن استثمارات مشتركة على المدى الطويل".

وقال مصدر مطلع على الصفقة لرويترز إنه إذا تحولت الصفقة الأولية إلى اتفاق نهائي، فقد تصل قيمتها إلى 800 مليون دولار على مدى عدة سنوات. وقال المصدر إن إمدادات الخام قد تبدأ بالتدفق اعتباراً من بداية عام 2021.

ولا تقتصر تلك الاتفاقية على نقل النفط الإماراتي والمشتقات النفطية القادمة من الإمارات إلى الأسواق الأوروبية والغربية بل أيضاً تشمل إمكانية نقل نفط دول أخرى إلى القارة الأوروبية.

كما تشمل الاتفاقية إمكانية نقل النفط القادم من دول حوض البحر الأسود والمتوسط باتجاه الأسواق الآسيوية، ما يختصر الوقت والنفقات والتعقيدات الناجمة عن مرور شحنات النفط عبر قناة السويس.

هكذا يصبّ ضرب عسقلان في مصلحة مصر 

خط الأنابيب لنقل النفط والمشتقات البترولية الأخرى بين إيلات وعسقلان إذن خط قائم ويعمل بالفعل، وليس مجرد مشروع قيد الإنشاء، وعلى الرغم من وجود بيانات معلنة عن حجم وقيمة ما يتم نقله بالفعل منذ مطلع العام الجاري، ومدى تأثير ذلك سلباً على إيرادات هيئة قناة السويس، فإن الحرائق الضخمة التي لا تزال مشتعلة في خزانات الوقود العملاقة في ميناء عسقلان بعد أن استهدفتها صواريخ المقاومة يفتح باب التكهنات.

ومن المهم هنا التوقف عندما تصريحات الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس المصرية، في يناير/كانون الثاني الماضي، حيث قال إن "مشروع عسقلان يؤثر على قناة السويس ونفكر في بدائل"، بحسب صحيفة المصري اليوم (مستقلة).

ربيع أرجع حديثه عن التأثير السلبي على دخل القناة إلى "مشروع عسقلان الخط البري والسكة الحديد"، قائلاً إنه "يستغرق 5 سنوات للانتهاء منه، وتفكر مصر في بدائل لهذا المشروع الذي سوف يؤثر على سفن البترول المارة في قناة السويس بنحو 16%".


قناة السويس مهددة من قبل خطط إسرائيل بعد التطبيع الإماراتي/رويترز
ولم يوضح وقتها موقف خط الأنابيب إيلات – عسقلان القائم بالفعل، الذي أشارت التقارير الإسرائيلية والأمريكية العام الماضي إلى بدء تشغيله فعلياً مطلع العام الجاري، لكن التقارير الصادرة عن الهيئات الاقتصادية والنفطية الدولية أشارت بالفعل إلى أن خط الأنابيب بدأ بالفعل في استقبال النفط الإماراتي.

وفي مطلع فبراير/شباط الماضي، نشرت هيئة قناة السويس بياناً ردت فيه على تلك التقارير مقللة من تأثير خط أنابيب إيلات – عسقلان على دخل قناة السويس، دون أن تنفي وجود مثل هذا التأثير جملة وتفصيلاً.

فقد أوضح بيان الهيئة أنه "من المتوقع ألا يتعدى نسبة ذلك التأثير (12% إلى 16%) من حجم تجارة البترول الخام المتجهة شمالاً وليس من إجمالي حركة التجارة العابرة للقناة، وبما يمثل نحو 0.61% فقط من إجمالي حركة التجارة المارة بقناة السويس لمختلف أنواع السفن"، بحسب تقرير لشبكة سكاي نيوز العربية ومقرها أبوظبي.

الخلاصة هنا أن استهداف خط أنابيب إيلات – عسقلان واشتعال النيران في صهاريج التخزين العملاقة في ميناء عسقلان يصبّ في مصلحة مصر ويمثل ضربة اقتصادية موجعة لكل من إسرائيل والإمارات -أصحاب الأموال المستثمرة في خط الأنابيب- حتى وإن لم تكن للقاهرة علاقة مباشرة بهذه النتيجة للتصعيد الحالي الذي يجمع منتقدو رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو -في الداخل والخارج- على مسؤوليته المباشرة عنه.