الثلاثاء 23 نيسان 2024

حكم الجزائر و طرابلس وحرّر تونس من الأوروبيين، “


شكّل القرن الـ16م، العصر الذهبي للبحرية العثمانية، ففي تلك الفترة برز الأسطول العثماني، كونه القوة المهيمنة على الملاحة في البحر الأبيض المتوسط، وذلك من خلال ممارسته للجهاد البحري تارة، وشنّه لغزوات بحرية ضدّ الأساطيل الأوروبية تارة أخرى.

هذه الصورة التي تشكلت للبحرية العثمانية في المتوسط، يعود سببها إلى عشرات القادة وريّاس البحر، الذين تعاقبوا على قيادة السفن العثمانية، ولعلّ أبرز هؤلاء، العلج علي باشا، الذي ساهمت غزواته البحرية في تحرير تونس وطرابلس من الأوروبيين.

العلج علي القس الإيطالي الذي حوّله الأسر إلى بحار عثماني
وُلد العلج علي في كلابر Calabre بجنوب ایطالیا، تحديداً في منطقة Cap Colonne في قرية لوكاستیلا، كان اسمه الأصلي هو لوكا جليني، أمّا والداه فهما بيرنو جليني الذي كان يشتغل بحاراً، وزوجته بيبا دي سيكو.

تختلف المصادر التاريخية حول تحديد تاريخ ميلاده، فهناك من يحدده سنة 1500م، على أساس أنه عندما توفي العلج علي عام 1587م كان عمره يقارب التسعين سنة، بينما يحدده آخرون بسنة 1508م، وهي السنة المعتمدة عند أغلب المؤرخين الذين تحدّثوا عن سيرة العلج علي.


بالرغم من أنّ مهنة والده البحار ستجعل العلج علي يرتبط بالبحر، فإنّ والديه كانا يرغبان في أن يصير قساً، ولتحقيق رغبتهما سافر العلج علي إلى مدينة نابولي للدراسة والتخصص في الدراسات الكاثوليكية.

في مدينة نابولي نجح العلج علي في تحقيق رغبة والديه وصار قساً، لكن في سنة 1520م، تغيّرت حياته إلى الأبد، فبينما كان العلج علي بالقرب من ميناء المدينة، هاجم البحارة العثمانيون القادمون من الجزائر مدينة نابولي، وسقط العلج علي في أسرهم.

بقي عدة سنوات يجدف في السفن الجزائرية، ولم يتم نقله إلى الجزائر إلّا في سنة 1536م، عند اقتسام الغنائم وقع العلج علي في نصيب الرايس "علي أحمد"، الذي كان يشتغل رئيساً للبحرية العثمانية الجزائرية في ذلك الوقت، والذي وظفه جذافاً في سفينته، مثل معظم الأسرى الأوروبيين.


أثرت المعاملة السيئة التي كان يتلقاها من الأسرى الأوروبيين الذين كانوا معه على العلج علي كثيراً، فقد كان مصاباً بمرض الصلع، وكان يتعرض للسخرية من الأسرى، الأمر الذي دفع العلج علي إلى اعتناق الإسلام، وتحويل اسمه من لوكا جليني إلى العلج علي.

بعدها أصبح مساعداً للرايس علي أحمد في سفينته، وبرز بسرعة كرجل بحري قوي، في المعارك التي خاضها رفقة الرايس علي أحمد، وسرعان ما استقل بسفينته الخاصة بعد أن زادت حصته من الغنائم.

ثمَّ عيّنه خير الدين بربروس حامياً على مدينة قسنطينة سنة 1536، والتي كانت تتعرض للتحرشات الإسبانية، فيذكر المؤرخ الإسباني، إيلي دي لا بريماودي، في كتابه "وثائق غير منشورة عن تاريخ الاحتلال الإسباني لإفريقيا"، أنَّه جاء في تقرير إسباني: "أمَّا في قسنطينة، فإنه يوجد 1500 إنكشاري يقودهم قائد تركي يدعى علج علي، وبربروس هو الذي أرسل هؤلاء الإنكشارية، وبما أن علج علي هذا تابع لحاكم الجزائر، فلا ريب أنه سيقدم إلى هذه المدينة، بمجرد علمه بأن جلالتكم، قد أرسل أسطولاً جديداً لها".

العلج علي رفيق أمير البحار تورغوت الذي حمل جثته في حصار مالطا 
ارتبط اسم علج علي بأمير البحار العثماني "درغوث رايس"، حيث شارك معه في أغلب المعارك البحرية مثل فتح طرابلس عام 1551م، والهجمات ضد نابولي وصقلية، وفي سنة 1553م عين درغوث باشا والياً على طرابلس، فرافقه علج علي في حكم طرابلس عدة سنوات.

في سنة 1557م، استدعي العلج علي إلى إيالة الجزائر، من أجل ولاية تلمسان وقيادة حملات عديدة ضد الإسبان، فكان أحد أبطال معركة مزغران التي بفضلها استقر حكم العثمانيين بالجزائر، كما حاول ضم المغرب الأقصى للحكم العثماني.

لم تكن معركة تحرير طرابلس الملحمة الوحيدة التي اشترك فيها العلج علي رفقة تورغوت باشا؛ فقد شارك العلج بحسب ما ذكره الباحث الفرنسي مونشي كورت في كتابه "الحملة الإسبانية عام 1560م ضد جزيرة جربة"، في معركة جزيرة جربة التونسية سنة 1560م.

تورغوت ريس

في تلك المعركة أسرّ العلج علي إلى كلٍّ من تورغوت باشا وبالي باشا قائدي المعركة، بفكرة الاستيلاء على الآبار التي يتزودون منها بالماء؛ ما سهَّل عملية سقوطها.

تمت مكافأة العلج علي من قبل أمير البحار العثماني بالي بتعيينه والياً على جزيرة ساموس في بحر إيجة في عام 1560م.

بعد 5 سنوات من ذلك، جرى تعيينه حاكماً عاماً لمدينة الإسكندرية. وخلال تلك الفترة، كان صديقه تورغوث باشا يطبق حصاره على جزيرة مالطا.

وبحسب ما ذكره المؤرخ الفرنسي ديفونتين ماكسانج في كتابه "الجزائر قبل الفتح: علج علي"، شارك علي باشا في حصار مالطا بقوات من الإسكندرية؛ تقدر بـ4 أو 6 سفن على متنها 900 رجل، وعدد كبير من المدافع والأسلحة النارية، ورافقه كذلك 900 مصري، متخصصين في حروب الحصار.

لكنّ مشاركة العلج علي الشخصية في الحصار لم تكن فعالة، إذ تعيّن عليه حمل جثمان رفيق دربه الرايس درغوث باشا إلى مدينة طرابلس لدفنه هناك.

بعد وفاة تورغوث باشا، خلفه العلج علي في منصبه كحاكمٍ على طرابلس لمدة قصيرة من الزمن.

العلج علي حاكماً على الجزائر ومحرراً لتونس 
في سنة 1568م، استيقظت الجزائر العثمانية على خبر عزل محمد بن صالح رايس من منصبه حاكماً للجزائر، لم يكن خليفة محمد بن صالح سوى العلج علي باشا، وذلك حسب كتاب "قلیج علي باشا ودوره في البحریة العثمانیة".

قام العلج علي بتحصين مدينة الجزائر من الهجمات الأوروبية من خلال تشييد برج عسكري يسمى باب الواد، الذي لا تزال آثارها خالدة حتى اليوم.

كما توجّه بجيشه لصد الحملات الإسبانية على وهران غرباً، والفرنسية على القالة شرقاً، كما أطلق عدة حملات لنجدة الأندلسيين الهاربين من محاكم التفتيش، فقام بنجدة 100 ألف منهم وتوطينهم بالجزائر؛ كما شارك في فتح جزيرة قبرص سنة 1570م. 

العلج علي
بعد أن نجح في استقرار حكم العثمانيين للجزائر، التفت العلج علي إلى تونس التي كانت تعيش إضطراباً سياسياً، بسبب التحرشات الإسبانية من جهة، فقد نظّم شارلكان حملة عسكرية ضد تونس، أعاد من خلالها مولاي الحسن إلى العرش عام 1535م، وخلافات العائلات الحفصية الحاكمة آنذاك من جهة أخرى، فحاول العلج علي أن يتدخل في تونس من أجل أن يستقر بها الحكم العثماني.

من أجل ذلك، اغتنم العلج علي الأوضاع المتردية في عهد السلطان حميدة بن الحسن الحفصي، والدعوة التي تلقاها من بعض الناقمين على الوضع من أعيان تونس؛ وشن حملة برية على تونس في أكتوبر /تشرين الأول 1569م، استعاد من خلالها تونس من تحت الحكم الإسباني وألحقها بالعثمانيين.

معركة ليبانتو البحرية تشهد على مهارة العلج علي
في سنة 1571م شهد المتوسط أكبر معركة بحرية في ذلك الوقت، وهي معركة ليبانتو البحرية الشهيرة بين الأسطول العثماني والتحالف الصليبي الأوروبي.


فبعد فتح العثمانيين لجزيرة قبرص سنة 1570م والتي كانت تابعة للبندقية آنذاك، سارعت الأخيرة إلى طلب الإغاثة من إسبانيا والبابا والدول المسيحية الأخرى، في هذه المعركة برز العلج علي بصفته واحداً من خيرة البحارة العثمانيين.

قبل بداية المعركة، تلقى العلج علي الأوامر من السلطان العثماني بتجهيز أكبر عدد ممكن من السفن والتوجه إلى قبرص للانضمام إلى الأسطول العثماني الذي حضر نفسه لمواجهة الأسطول المسيحي المتحالف.

في 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 1571م بدأت معركة ليبانتو البحيرة، كان العلج علي قائد الأسطول الجزائري العثماني مكلفاً بقيادة ميسرة الأسطول العثماني.

وعلى الرغم من الهزيمة تمكن العلج علي من الحفاظ على جناحه وقابل أسطول فرسان مالطا في مواجهته، فهزمه شر هزيمةٍ، لكنَّه اضطر للانسحاب عقب خسارة الجناح الأيمن والقلب، المعركة، ومقتل مؤذن زاده علي باشا القائد العام، للمعركة والأسطول العثماني. 

العلج علي
بعد المعركة؛ عاد العلج علي إلى الباب العالي في إسطنبول ومثل بين يدي السلطان سليم الثاني، الذي أمر بترقيته قائداً للبحرية العثمانية، وهو المنصب الذي احتفظ به العلج علي 16 عاماً حتى وفاته.

في ليلة 27 يونيو 1587م، توفي قليج علي عن عمرٍ ناهز الـ 90 سنة، ودفن العلج علي باشا في القبر الذي كان قد بناه لنفسه داخل مسجده بإسطنبول.