الأحد 19 أيار 2024

السياسة الخارجية لألمانيا.. بعد ميركل

السياسة الخارجية لألمانيا.. بعد ميركل

النهار الاخباريه – وكالات
من المتوقع أن يكون المستشار الألماني ملما بالسياسة الخارجية والأوروبية". هذا ما قاله الرئيس الجديد لحزب الاتحاد المسيحي الديمواقراطي ورئيس وزراء ولاية شمال الراين - ويستفاليا، آرمين لاشيت في مقابلة مع رويترز في بداية شهر شباط/ فبراير الفائت، وأراد من خلالها التمييز بشكل إيجابي بينه وبين منافسه فيما يتعلق بمسألة الترشح لمنصب المستشار. لكن ماركوس زودر، رئيس وزراء ولاية بافاريا ورئيس حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، رد فورا على ذلك. إذ تحدث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمدة 45 دقيقة وأكد على "أوجه تشابه كبيرة" مع ماكرون. ومن بين الملفات التي ناقشها خلال المحادثة الهاتفية باللغة الإنجليزية مشاريع الطيران المشتركة مثل الطائرات المقاتلة الأوروبية، بسبب تواجد شركات طيران عسكرية ومدنية مهمة في ولاية بافاريا، وبذلك جمع زودر نقاطا لصالحه فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والتجارة الخارجية. وكان زودر قد طالب بدور أكثر فاعلية للسياسة الخارجية الألمانية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
انه مثال واحد فقط على ما يقوم به المرشحان المحافظان المحتملان من أجل الدعاية لنفسهما حالياً على المستوى الدولي قبل أن يتفقا فيما بينهما  قبل عيد الفصح على منهما سيكون مرشح الاتحاد المسيحي. يوهانس فارفيك، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هالي، لا يرى مهمة  كل من لاشيت وزودر، سهلة، ويقول لـ DW "أي خليفة لمستشارة تمتلك عقدا ونصفا من الخبرة في السياسة الخارجية و التي تم تعزيزها في العديد من الأزمات، عليه أن يرتقي أولاً إلى لعب هذا الدور. في الوقت نفسه، ازدياد الأهمية الدولية لألمانيا بشكل كبير في السنوات الأخيرة، لا يسمح لأي مستشار بالتخلف عن الركب. على العكس من ذلك، المستشار الجديد سيزداد الضغط عليه فيما يتعلق بالتعامل مع القضايا المركزية".
من حيث الخبرة السياسية الخارجية وبالأخص الأوروبية، من الواضح أن لاشيت يتقدم بخطوة واحدة، وذلك بفضل نشاطه. فقد نشأ في آخن على المثلث الحدودي بين ألمانيا وبلجيكا وهولندا، طور وعياً مبكراً بأهمية التعاون عبر الحدود. حتى في أوقات كورونا، دافع لاشيت، بصفته رئيس وزراء ولاية شمال الراين ويستفاليا، عن الحدود المفتوحة. ومن 1999إلى 2005 كان عضواً في البرلمان الأوروبي. هناك تعامل مع السياسة الخارجية والأمنية ودعا في كثير من المناسبات إلى المزيد من الشجاعة في الاندماج الأوروبي.
في المقابل لن تجد هذا الاهتمام بالقضايا الأوروبية لدى ماركوس زودر. من منظور السياسة الأوروبية، يرى فارفيك "أن صفحته ما زالت بيضاء إلى حد ما". يذهب تورستن بينر، رئيس المعهد العالمي للسياسات العامة في برلين، إلى أبعد من ذلك. إذ يرى أن زودر لديه "ارتباط عاطفي ضئيل أو معدوم بالمشروع الأوروبي ولن يخجل من التحريض الانتهازي ضد بروكسل إذا بدا له أن ذلك مفيد سياسياً".
لكن القاسم المشترك بين السياسيين هو التركيز على الاتحاد الأوروبي وفرنسا أكثر من التركيز على الولايات المتحدة الأمريكية. للتذكير: قامت أنغيلا ميركل بزيارة إلى واشنطن في عام 2003 كرئيسة لحزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي، ودعمت حرب العراق التي شنها الرئيس جورج دبليو بوش، والتي قوبلت في ذلك الوقت بالرفض الشديد من قبل الأغلبية الكبيرة في ألمانيا، بما في ذلك من قبل رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي والمسشتار آنذاك غيرهارد شرودر.
كان عبور الأطلسي صعباً للغاية على السياسيين الألمان في السنوات الأربع خلال حكم ترامب. "لطالما كانت أمريكا أرض الحرية والديمقراطية بالنسبة لنا"، اشتكى لاشيت في خطاب ترشيحه لرئاسة الاتحاد المسيحي الديموقراطي بعد اقتحام أنصار ترامب مبنى الكابيتول في واشنطن في يناير 2021. من جانبه اعترف زودر مؤخراً بأن حبه لأمريكا تم اختباره بشدة من قبل ترامب. كلاهما الآن يعلق آمالا كبيرة على الرئيس الجديد جو بايدن. خلال مؤتمر ميونيخ للأمن الأسبوع الماضي، دعا الشركاء: "إلى عودة التحالف عبر الأطلسي". غير أن تقارب بايدن لن يكون بالمجان. فهو مثل أسلافه، يطالب الشركاء الأوروبيين بزيادة الإنفاق على التسلح وتحمل المزيد من المسؤولية في السياسة الأمنية. زودر يتفق مع ذلك من حيث المبدأ، لكنه يؤكد: "نحن لسنا أطفالًا صغاراً. نحن شركاء، ولسنا تابعين أو مرؤوسين،" قال زودر لوكالة أسوشيتد برس قبل أيام قليلة. لاشيت ملتزم أيضاً بهدف الناتو المتمثل في إنفاق الدول الأعضاء اثنان في المائة من ناتجها القومي على الدفاع ، وهو ما لم تحققه ألمانيا حتى الآن.
تشكل سياسة ألمانيا مع الصين وروسيا عقبة أمام تعزيز التعاون الوثيق عبر الأطلسي. مثل ترامب، يبدو بايدن أيضا يرى أن برلين متساهلة للغاية مع الحكومتين بسبب مصالح السياسة التجارية. لكن يبدو أن ذلك لن يتغير سواء مع المستشار لاشيت أو زودر. فقد تحدث لاشيت مؤخراً عن "تنافس الأنظمة" بين الغرب والصين. لكن لم يستبعد مشاركة شركة Huaweiالصينية في بناء شبكة 5G للهاتف المحمول، وهو ما تنتقده واشنطن بشدة. من ناحية أخرى، قال زودر في الصيف الماضي في حوار مع القناة الألمانية الثانية ZDF فيما يتعلق بالسياسية الخارجية تجاه الصين: "يبدو لي أن إيجاد التوازن الصحيح بين المصالح والقيم يمثل التحدي الأكبر للسياسة الخارجية الألمانية في السنوات المقبلة". لكن ذلك لم يكن الشدة التي تنتظرها واشنطن من ألمانيا في التعامل مع الصين.
أما بالنسبة للسياسة تجاه روسيا، يعارض كل من لاشيت وزودر مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بوقف بناء خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 من روسيا إلى ألمانيا. كما يريد لاشيت أن يفصل بشكل صارم الهجوم على السياسي المعارض الروسي أليكسي نافالني - الذي يدينه بشدة - عن صفقات الغاز. خلال زيارة له إلى موسكو قبل عام، واصل زودر تقليد رؤساء الوزراء البافاريين السابقين لمتابعة سياستهم التجارية البافارية الروسية، المنفصلة عن الاختلافات السياسية في الرأي. أما عن لاشيت، تعود التصريحات التي أدلى بها قبل بضع سنوات إلى الواجهة: بعد فترة وجيزة من الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، انتقد لاشيت "الشعبوية المعادية لبوتين" في ألمانيا ورغم أن احتلال القرم "ينتهك بوضوح القانون الدولي"، إلا أن على المرء "وضع نفسه في مكان محاوره للنهوض بالعلاقات الخارجية".
النائب البرلماني أوميد نوريبور المنتمي إلى حزب الخضر، الذي قد يكون حزبه شريكاً في الائتلاف الحكومي مستقبلا، شكك في مقابلة صحفية في قدرة لاشيت على ربط الاتحاد الأوروبي بموقف التفاهم هذا، كما يدعي لاشيت. وتنظر دول الاتحاد الأوروبي الشرقية على وجه الخصوص بنظرة نقدية لأي لهجة تملق من ألمانيا تجاه الكرملين.