الخميس 2 أيار 2024

آفاق التعاون بين أمريكا ودول الخليج في مكافحة الإرهاب

آفاق التعاون بين أمريكا ودول الخليج في مكافحة الإرهاب
تعد مكافحة الإرهاب واحدة من أهم عمليات الأمن القومي والدفاع لكل من الولايات المتحدة ودول الخليج. ومع إنفاق مئات الملايين من الدولارات على منع واعتراض التهديدات الإرهابية في كل عام، فمن المفهوم أنها تمثل أكبر قضية أمنية تشكل أساس شراكة الغرب الاستراتيجية مع دول الخليج. وفي حين أن هذه الشراكة قائمة منذ فترة طويلة إلا أن هناك دائمًا مجال لتعزيزها، خاصة عندما تتطور طبيعة التهديد وتتغير باستمرار بناءً على الأحداث العالمية والإقليمية.
ومع وضع هذا في الاعتبار عقد «المجلس الأطلسي»، بواشنطن، ندوة عبر الإنترنت، بعنوان «تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي»؛ بهدف مناقشة التحديات الحالية التي تواجه التعاون في مكافحة هذه المجالات بين الولايات المتحدة ودول الخليج، فضلاً عن إمكانية التحسينات المستقبلية الممكنة لزيادة دعم هذه العمليات.
تم تقسيم الندوة إلى جزأين: بحث القسم الأول في منظور الولايات المتحدة، ورأسها «توماس واريك»، الباحث بالمجلس، وتحدث فيها «فاليري بويد»، مساعدة وزير الخارجية للشؤون الدولية بوزارة الأمن الداخلي الأمريكية، و«جينا وينستانلى»، النائبة السابقة لمنسق مكافحة الإرهاب بـ«الخارجية الأمريكية»، و«جاويد علي»، المدير السابق لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي الأمريكي، و«دانيل جلاسر»، مساعد وزير الخزانة الأمريكي السابق، و«ويليام ويشسلر»، مدير مركز رفيق الحريري في المجلس الأطلسي، و«كيرستن فونتروز»، مديرة مبادرة سكوكروفت الأمنية للشرق الأوسط بالمجلس.
في البداية أشار «ويشسلر» إلى الأهداف المشتركة لكل من الولايات المتحدة ودول الخليج بشأن مكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون، وقال إن الهدف النهائي لجهودهم هو الانتقال من «النهج العسكري» إلى «نهج إنفاذ القانون»، والذي تشارك فيه الوكالات المدنية بشكل أكبر، ولاحظ أن الشراكة بينهما قد شهدت تقدما كبيرا، ولكن أيضا «مازال يوجد الكثير لفعله» من أجل تعزيز مكافحة التهديدات الأمنية المشتركة.
بالإضافة إلى ذلك لاحظ «واريك» أنه وسط الجدل الحالي حول ما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة سحب وجودها المادي من الشرق الأوسط هناك العديد من الخيارات الأخرى المتاحة في «مجموعة أدوات الأمن القومي» لها، والتي تشمل تحسينات لعملها المستمر مع حلفائها الإقليميين. وفيما يتعلق بمكافحة الإرهاب أوضح أنه على الرغم من أن التهديد الإرهابي ساده «فترة من الهدوء» فإن الجماعات مثل «داعش» تعمل بجد للعودة مع اكتساب الجماعات المتطرفة المماثلة موطئ قدم في إفريقيا وجنوب آسيا، موضحًا أنه يجب أن يكون هناك التزام علني أكبر بمكافحة الإرهاب والتحول نحو مشاركة أكبر للوكالات المدنية في عملية مكافحة الإرهاب، والتي قارنها في النطاق والإعداد بخطط الحلفاء المعقدة لمستقبل ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
ومن جانبها قالت «بويد» إن مكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون يمثلان مخاوف أمنية مشتركة بين الولايات المتحدة ودول الخليج. وسلطت الضوء على حالات الوكلاء الإرهابيين المدعومين من إيران والجماعات الإرهابية المتطرفة باعتبارها أكبر التهديدات في الوقت الحاضر، خاصة أن إيران «تواصل ممارسة نفوذها الخبيث»، كما أن «داعش»، و«القاعدة» لا يزالان يشكلان تهديدًا كبيرًا على الرغم من تراجعهما في السنوات الأخيرة. مشيرة إلى أن أحد الجوانب الرئيسية للتعاون حول «التهديدات الإرهابية والجريمة المنظمة»، هو «تبادل المعلومات بين الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين»، وأكدت أن ذلك سيكون مفيدًا أن تصبح هذه العملية «إجراء معتادًا» لشراكات أخرى في الشرق الأوسط، وأنه تم تطبيق هذا التعاون في تبادل المعلومات، لمنع تهريب الأسلحة على سفن الشحن ومنع السفر الجوي للإرهابيين المشتبه بهم أو المرتبطين بهم.  بالإضافة إلى ذلك تحدثت عن جهود وزارة الأمن الداخلي في مجال الأمن السيبراني، والذي جعل من الصعب على الجماعات الإرهابية تمويل نفسها والتجنيد عبر الإنترنت. كما أشارت أيضًا إلى عمل خفر السواحل الأمريكي في الخليج، والأعمال الداعمة للقيادة المركزية الأمريكية، بالإضافة إلى الوكالات الحكومية الأخرى، مثل وزارة الخارجية الأمريكية. وأيدت «وينستانلى» وجهة نظر «بويد»، ووصفت مشاركة الولايات المتحدة المستمرة في التعاون المستقبلي مع الخليج بأنها «حاسمة ولا غنى عنها» في منع الإرهاب والجريمة بالمنطقة. كما أكدت أن الدور الرئيسي لواشنطن يجب أن يكون دور المنسق بين مختلف الدول والوكالات المعنية بمكافحة الإرهاب.
ومن خلال تسليط الضوء على التهديدات الأمنية المستقبلية الناجمة عن مقاتلي داعش السابقين الذين أصبحوا الآن أسرى في سوريا والعراق وتركيا؛ أوضح «جاويد» أنها قضية يكون فيها التهاون أمرًا خطيرًا، وأن العمل الحالي بشأنها «لا يتحرك في الاتجاه الصحيح»، وبالتالي من المرجح أن تتصاعد في المستقبل، خاصة إذا لم تكن هناك «استراتيجية» لمواجهة التهديد. إضافة إلى ذلك، أشار «جلاسر»، إلى أنه في الحرب «متعددة الأصعدة» ضد الإرهاب هناك «آليات متطورة بشكل جيد» يمكن استخدامها لمعالجة هذا الأمر، لا سيما في مجال التمويل وجمع المعلومات الاستخبارية.
وعن المشكلات القائمة في التعاون الإقليمي والتعاون بين الوكالات، أشارت «فونتنروز» إلى حرص دول الخليج على تعاون أكبر مع الولايات المتحدة بشكل مباشر، لكنه جاء على حساب زيادة التعاون الإقليمي، والتي أوضحت أنه الهدف النهائي الذي يتعين على صانعي السياسة الأمريكية تحقيقه. وفيما يتعلق بالمستقبل لاحظت «بويد» أنه بينما «من الصعب للغاية التنبؤ بالأزمة التالية»، فإن الوقائع السابقة تُظهر أن الولايات المتحدة مستعدة وقادرة على مواجهة مثل هذه التحديات بالتعاون مع دول الخليج.


 أما القسم الثاني فقد بحث وجهات نظر دول الخليج، ورأسته «فونتينروز»، وتحدث فيه «دانة المرزوقي»، مديرة مكتب الشؤون الدولية بوزارة الداخلية الإماراتية، و«عبد الله بن خالد آل سعود»، من «المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي»، بجامعة «كينغز كوليدج» بلندن.
في البداية أعادت «المرزوقي» التأكيد على أن «القاعدة» و«داعش» لا يزالان «يشكلان تهديدًا كبيرًا للمنطقة»، وأنه في مواجهة هذا التحدي من غير المفيد النظر إلى كلا التنظيمين على أنهما منظمتان منفصلتان تمامًا، نظرًا إلى امتلاكهما نفس الآيديولوجية، كما أنهما ينتهجان نفس الطريقة ويهدفان إلى مهاجمة ذات الأهداف. واتفق «خالد آل سعود» مع هذا التقييم، مؤكدا أنه على الرغم من وجود «نجاحات ملحوظة» في مكافحتهما خلال السنوات الأخيرة، فمن «الخطأ تمامًا» الاعتقاد بتراجع ما يشكلونه من تهديد، خاصة أن هذه الجماعات «ليست جامدة» في عملياتها، وتعتمد على استخدام «هيكل لا مركزي»، و«نموذج الحرب بالوكالة» لمواصلة عملياتها الخطيرة في الشرق الأوسط، مسلطا الضوء على كيفية استفادة الإرهابيين من «التقدم التكنولوجي»، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. علاوة على ذلك، فإن الدول غير المستقرة، والتي وصفها بـ«الجروح المفتوحة والمتقيحة»، تستقطب بشكل كبير هذه الجماعات، حيث يمكن استخدامها كقواعد لتجنيد أتباع وتأمين التمويل من خلال الجريمة.
وفيما يتعلق بالتطورات في المستقبل أوضح أن على الولايات المتحدة إعادة تقييم العلاقة بين مكافحة الإرهاب والسياسة الخارجية. واستشهد بالاتفاق النووي لعام 2015 كمثال على كيفية التعامل مع مكافحة الإرهاب كقضية منفصلة، حيث يقدم هذا النموذج الدبلوماسي شرعية دولية لنظام يمول الجماعات الإرهابية. ومن ثمّ، دعا إلى نهج سياسة خارجية «أكثر تكاملاً» يأخذ في الاعتبار بدرجة أكبر التزامات الولايات المتحدة بمكافحة الإرهاب.
ومن خلال إشارة «فونتنروز» إلى أن إيران تستخدم وكلاء لتنفيذ هجمات إرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط لاحظ «آل سعود» أن النظام الإيراني «يُمكّن وكلاء الإرهاب»، وأن قضية «الأمن السيبراني» أضحت الآن أكثر أهمية عن ذي قبل. وحول المتغيرات في المستقبل للتعامل مع هذا استشهد بكل من «الجهود المتعددة الأطراف والإقليمية» إلى جانب الاتفاقيات الأمنية «الثنائية» كطريقة لتشكيل نهج توافقي وتعزيز التعاون بين الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج.
وعندما تساءلت «فونتنروز» بعد ذلك عن كيفية تنسيق مستوى أكبر من التعاون جادلت «المرزوقي» بأنه سيتعين «مواءمة أولوياتنا»، وأنه لكي ينجح هذا، يجب أن يكون هناك «تركيز على المستوى الأدنى والمناقشات غير الرسمية». ومن واقع خبرتها ذكرت أن المفاوضات على المستوى الأعلى تميل إلى أن تكون موجهة نحو الاستراتيجية وأمور التخطيط العام، في حين أن التفاصيل المعقدة حول عمليات مكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون يتم وضعها بشكل أفضل ضمن مجموعات العمل التي تتكون من أعضاء من الوكالات والمنظمات الحكومية.
وحينما طُرح تساؤل حول كيف أفادت «جائحة كوفيد19»، المنظمات الإرهابية. رد «آل سعود» بتوضيح أن الوباء ساعد هذه الجماعات على نشر «رواياتها» الكاذبة، وأن داعش في العراق وسوريا حاول استخدام الصعوبات الاقتصادية لتجنيد المزيد من الأفراد في صفوفهم، فيما وصفه بمحاولة «مناشدة قلوبهم وعقولهم»، مشيرًا إلى كيفية زيادة التنظيمات الإرهابية من أنشطتها السيبرانية أثناء الوباء، مع «تصعيد هذه الجماعات الإرهابية» لعبتها؛ لأنها تعلم أن المتابعين المحتملين من الذين يُمكن تجنيدهم؛ يمكن أن يكونوا خلال سيناريوهات الإغلاق متصلين بالإنترنت بشكل متكرر، وبالتالي أكثر عرضة للوقوع في فخ التطرف.
ومن خلال دعمها لهذا التوجه أوضحت «المرزوقي» أيضًا أن تنظيمي «داعش» و«القاعدة» كانا «نشطين للغاية على المستوى الإجرامي»، من خلال زيادة «الاستغلال عبر الإنترنت»، وتجنيد «الذئاب المنفردة»؛ ممن يشنون هجمات إرهابية لدعم تلك الجماعات، ولكن ينفذون تلك العمليات بمفردهم، كما بينت كيف استجابت الإمارات لهذا التهديد الجديد من خلال تركيزها مجال الأمن السيبراني، ومنع غسل الأموال.
وفي ردها على سؤال كيف يمكن للسلطات المدنية أن تعظم من دورها في عملية مكافحة الإرهاب في الخليج وصفت «المرزوقي» انخراط المنظمات غير الحكومية بأنه «حاسم»، لأنها توفر الوصول والخبرة للحكومات، مشيرة إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في التصدي للتطرف، خاصة أن هذه المواقع يتم «استغلالها» من قبل الجماعات الإرهابية، وأنها بحاجة إلى تقديم استجابة أفضل لتحسين التعاون في مكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي. ووافقها الرأي «آل سعود» لكنه أضاف أن هذه قضية أكثر صلة بدول الشرق الأوسط خارج الخليج، حيث إنها توجد المناطق التي «ترسخت» فيها هذه الجماعات الإرهابية وتمكنت من تقويض القوة العسكرية والتعاون المدني في مكافحة الإرهاب.
وحول توقعات الخبراء للمستقبل استشهدت «المرزوقي» باتفاقيات الشراكة الاستراتيجية الأخيرة بين الولايات المتحدة ودول الخليج، كدليل على الالتزام المشترك المستمر بمكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون، مضيفة أن الإمارات «اكتسبت الكثير من الخبرة» بخصوص هذه القضايا في الماضي، وأنها تظل «شريكًا نشطًا» للمستقبل. ووافق «آل سعود»، وأكد أن هناك «الكثير من الفوائد والمكاسب» التي يمكن جنيها من تعاون أعمق بين الولايات المتحدة ودول الخليج ضد الإرهاب.
وفي الأخير قدمت الندوة عرضا وافيا وتحليلا معمقا للتحديات الأمنية التي تحيط بدول الخليج وكيفية استجابة الولايات المتحدة لها، فضلا عن التحسينات التي يمكن إجراؤها على الشراكة الأمريكية الخليجية بشأن مكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون. ومع الكم الهائل من الخبرات التي تم عرضها فقد افتقرت إلى تقديم خطط مُفصلة لتحسين التعاون بين واشنطن والخليج في المستقبل. علاوة على ذلك فإن قضية الإرهاب المدعوم من إيران لم يتم تناولها بجدية، كما لم تتم مناقشة احتمالية تغيير موقف الولايات المتحدة بعد انتخاب إدارة جديدة في نوفمبر. ومع ذلك، قدم الحدث وصفًا ممتازًا لوجهات النظر الخليجية بفضل الرؤى المتميزة للمرزوقي وخالد آل سعود حول مخاوف دول الخليج نفسها.