الجمعة 29 آذار 2024

اخبار وتقارير اقتصادية

ارتفاع مستوى الدين يعمق الأزمة الاقتصادية في تونس


النهار الاخبارية - مقالات 

اللجوء إلى الاقتراض الداخلي يمهد لأزمة سيولة لدى البنوك المحلية
شهد مستوى الدين العام في تونس ارتفاعاً في السنوات الأخيرة، وتواصل النسق التصاعدي لحجم الديون الداخلية والخارجية في العام الماضي. وفي حين سُجل ارتفاع في خدمة الدين في النصف الأول من عام 2021، استمر الاقتراض من السوق الداخلية لتسديد قروض خارجية في ذات الفترة، ما عمق تراكمية الدين وسط ركود عام في أغلب القطاعات الاقتصادية.
ولاحظ باحثون اقتصاديون تحدثت إليهم "اندبندنت عربية"، أن الخطورة لا تكمن في تفاقم الديون بل في الركود الاقتصادي المستفحل، إذ تعجز تونس عن تحسين مستوى النمو الذي من شأنه توفير الموارد المالية لتسديد القروض، وتلجأ إلى الاقتراض من السوق المحلية لتسديد ديون سابقة. كما لم تتوصل تونس إلى توقيع اتفاق جديد سعت إليه مع صندوق النقد الدولي. وبذلك تعجز عن الخروج إلى السوق الخارجية للاقتراض. ويهدد الاقتراض الداخلي وهو السبيل الوحيد أمام الحكومة التونسية، أداء القطاعات المحركة للاقتصاد بسبب نقص السيولة. وتؤدي كل هذه العوامل إلى مراوحة مؤشرات النمو السلبية مكانها، حيث تبلغ نسبة انكماش الاقتصاد 3 في المئة.
زيادة الدين

وبلغ قائم الدين العام في تونس 99.1 مليار دينار (35.39 مليار دولار) في نهاية يوليو (تموز) 2021. وسجل زيادة بنسبة 11.2 في المئة مقارنةً مع عام 2020، بحسب وثيقة تنفيذ ميزانية الدولة التي نشرتها وزارة الاقتصاد والمالية والاستثمار. وينقسم الدين التونسي العام إلى 39 في المئة ديون داخلية و61 في المئة ديون خارجية. كما تتنوع الديون بين قروض ثنائية بين تونس وبلدان أخرى وقروض مختلفة حصلت عليها بمقتضى اتفاقيات دولية. ونالت تونس 55.4 في المئة من القروض إثر توقيع اتفاقيات تعاون متعددة الأطراف. أما 16.8 في المئة من القروض فهي ثنائية، في حين أن 27.7 في المئة منها أتت من السوق المالية الداخلية.
كما أن 61.4 في المئة من إجمالي الدين العام في تونس باليورو، بينما 21.6 في المئة منه بالدولار، و10.3 في المئة بالين الياباني و6.7 في المئة بعملات أجنبية أخرى مختلفة.
وتطورت خدمة الدين العام بنحو 15 في المئة خلال السبعة أشهر الأولى من عام 2021. ومرت من 7.3 مليار دينار تونسي (2.6 مليار دولار)، في يوليو 2020، إلى 8.4 مليار دينار (3 مليارات دولار) في عام 2021.
ويعود ارتفاع خدمة الدين إلى زيادة الديون الداخلية. وارتفع الدين الداخلي بنسبة 30 في المئة خلال عام 2021. وبلغ 3.7 مليار دينار (1.23 مليار دولار)، ما يساوي 44.7 في المئة من إجمالي خدمة الدين العام.
ويمثل تسديد أصل الدين بقيمة 6 مليار دينار (2.14 مليار دولار) 72 في المئة من خدمة الدين العام، حتى نهاية يوليو 2021، في حين يعادل تسديد نسبة الفائدة 28 في المئة من خدمة الدين العام.

المسار العكسي

واعتبر الباحث الاقتصادي حسين الديماسي أن "حجم الاستدانة الذي بلغته تونس غير مسبوق في تاريخها، ونتج عن سياسة اقتصادية خاطئة في العقد الماضي، نما خلالها معدل الإنفاق وسار معاكساً لخط الإنتاج، مما زاد في قيمة المدفوعات على حساب مداخيل الدولة. وأدى الخط العكسي للإنتاج إلى تفاقم الدين، حيث لم تكن ديون تونس تتجاوز الـ 40 مليار دينار (14.28 مليار دولار) في عام 2010. وأُضيف إليها 60 مليار دينار (21.4 مليار دولار) خلال السنوات العشر الماضية. وبذلك يكون حجم الديون قد تضاعف مرتين". وأضاف الديماسي أن "الأزمة المالية تعمقت في السنتين الماضيتين بفعل جائحة كورونا، فسجلت تراجعاً في الموارد الذاتية للدولة وأهمها الجباية. وزادت نفقات الدولة على حساب المداخيل، بفعل عدم التوازن المسجل إثر توقف النشاط الاقتصادي بسبب الحجر الصحي وتعطل التجارة الخارجية والسياحة والاستثمار وتراجع مداخيل العملة الصعبة. فالاضطراب الذي حصل في ميزان المدفوعات كرس المديونية السابقة منذ عقد من الزمن. ثم عجزت تونس بعد ذلك عن الاقتراض من السوق الخارجية".

وأدى لجوء الدولة إلى السوق المالية الداخلية للاقتراض إلى انعكاسات على السيولة لدى المؤسسات البنكية. مما عقد الوضعية المالية للبلاد حالياً. فقد عمدت البنوك المحلية إلى شراء كل ما يطرح من رقاع الخزينة (سندات الخزينة) في السوق الداخلية، الأمر الذي تسبب في تجميد البنوك لمقدار كبير من أموالها في الرقاع. وهي أموال طائلة. والحال أن البنوك التونسية لا تملك الحجم اللازم من السيولة لتقتني كل رقاع الخزينة التي طُرحت في السوق منذ بداية 2021، إذ لا يطرح البنك المركزي ما يلزم من السيولة للبنوك لشراء الرقاع. والحال أن الأموال الموجهة إلى البنوك من قبل البنك المركزي خُصصت لشراء الرقاع بدل تمويل الدورة الاقتصادية، ما دفع بالمالية العمومية إلى مأزق. وتحتاج تونس في الفترة الراهنة إلى 9 مليارات دينار (3.2 مليار دولار) لتمويل الميزانية التكميلية لعام 2021، والخزينة لا توفر هذا المبلغ. وتنذر هذه العوامل بارتدادات اجتماعية واقتصادية وسياسية خطيرة.

الأفق المجهول

من جهة أخرى، لا تزال نسبة خدمة الدين في تونس مرتفعة، إلا أنها مطمئنة إلى حد ما، فهي تمثل خدمة ثلاث أرباع حجم الدين لعام 2021. ويُنتظر أن يتناقص عبء الدين في الأشهر الخمسة المتبقية من السنة، وفق المدير العام السابق للسياسات النقدية بالبنك المركزي التونسي، محمد سويلم. لكن ذلك لا يمنع أن نسبة الاستدانة هي الأعلى مقارنةً بالسنوات السابقة. ولا يتمثل الإشكال في ارتفاع حجم الديون بقدر ما يكمن في غياب مؤشرات التعافي الاقتصادي، فالاقتراض هو من تقنيات الاقتصاد العصري لتمويل المشاريع. إلا أن الاقتصاد التونسي غير قادر حالياً على خلق الثروة، لتوفير المدخرات اللازمة لتسديد الديون، ثم تحقيق الأرباح في مرحلة لاحقة، فنسق النمو السلبي، يشير إلى غياب الإصلاح الهيكلي للاقتصاد التونسي، وسط انعدام كلي لرؤية واضحة، فقد عجزت الحكومات المتعاقبة عن وضع استراتيجية واضحة لإعادة هيكلة الاقتصاد وتطويره.
وتحتاج تونس حالياً إلى مناخ اجتماعي سلمي عبر هدنة بين السلطة والمنظمات الوطنية، ومناخ سياسي بأفق واضح ومستقر، لتنفيذ إصلاح اقتصادي شامل للضغط على نسق الدين.
يُذكر أن نسبة النمو في تونس سلبية حالياً وتبلغ 3 في المئة. وشهدت البلاد انكماشاً قُدر بـ 8 في المئة خلال عام 2020. وتتوقع تونس نسبة نمو قدرها 3.9 في المئة في عام 2021، بينما يتوقع البنك الدولي نسبة نمو قدرها 3.2 في المئة.
وارتفع مستوى العجز التجاري حتى نهاية شهر يوليو 2021 وبلغ  8.72 مليار دينار(3.11 مليار دولار) مقابل 7.56 مليار دينار (2.7 مليار دولار) حتى يوليو 2020، بحسب المعهد الوطني للإحصاء.