الجمعة 17 أيار 2024

من ينتصر في معركة “كسر العظم” بين سعيّد والقضاء التونسي؟


النهار الاخبارية تونس،

تكشف المعلومات الأخيرة التي أدلى بها رياض الشعيبي مستشار الغنوشي حول رفض النيابة العامة طلب الرئيس قيس سعيد بطاقة إيداع بالسجن ضد نائب رئيس الحركة، نور الدين البحيري، أن ثمة معركة "كسر عظم” بين الرئيس سعيد والقضاء التونسي، وهو ما أكده أيضا وزير الداخلية توفيق شرف الدين حينما برر إيقاف البحيري بـ”تعطل الإجراءات” حول هذه القضية لدى النيابة العامة، في اتهام ضمني للقضاء بعد الخضوع لإملاءات الرئيس حول "الإسراع” في بعض الملفات.
وكتب الشعيبي على صفحته في موقع فيسبوك "أكد -رئيس جمعية القضاة التونسيون الشبان- القاضي مراد المسعودي أن رئيس البلاد طلب من وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس إصدار بطاقة إيداع بالسجن ضد نائب رئيس حركة النهضة، إلا أن وكيل الجمهورية رفض ذلك لعدم توفر الأدلة الكافية لإدانة البحيري”.
ويبرر ذلك المعركة الأخيرة التي يخوضها الرئيس قيس سعيد ضد المجلس الأعلى للقضاء، والذي أكد أخيرا رفضه تدخل السلطة التنفيذية ممثلة برئاسة الجمهورية بعمله، كما لجأ سعيد لتصنيف القضاة إلى "وطنيين” و”خونة”، بناء على موقفه من تدابيره الاستثنائية.
وكان وزير الداخلية توفيق شرف الدين برر قيام قوات الأمن باعتقال البحيري دون انتظار صدور أمر قضائي بذلك بـ”تعطل الإجراءات لدى النيابة العمومية حول فتح أبحاث تحقيقية تعلقت بتوفر معلومات مفادها حصول شخص سوري الجنسية وزوجته السورية على بطاقتي تعريف وطنية وجوازي سفر تونسي، تم استخراجها خلال فترة إشراف نور الدين البحيري على وزارة العدل”.
ودفعت تصريحات شرف الدين النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية إلى إصدار بيان عبرت

فيه عن استغرابها مما قاله، مؤكدة أنها "تعاملت بكل جدية ووفق الإجراءات المقرة قانوناً مع موضوع القضية، ورتبت الآثار القانونية المتمثلة في فتح بحث تحقيقي في أجل لم يتجاوز 4 أيام من تاريخ توصلها بالتقرير التكميلي الصادر عن الإدارة الفرعية للأبحاث في جرائم الإرهاب والجرائم المنظمة والماسة بسلامة التراب الوطني”.

وتوجه النائب العجمي الوريمي برسالة مفتوحة إلى وزراء العدل السابقين، عبر صفحته في موقع فيسبوك، قال فيها "لقد أشرفتم على مرفق القضاء وتعلمون خفاياه ومنكم من قضى في الوزارة مدة تضاعف المدة التي قضاها الوزير المختطف والمحتجز نور الدين البحيري، ولا شك أن كل واحد منكم قد ترك بصمة في الوزارة وفي مرفق العدالة بكل مكوناته، وأنتم تشاهدون اليوم (في صمت وربما في ذهول) ما يجري وما يخططه الرئيس وأنصاره رغما عن إرادة القضاة وباقي الأسلاك ليكون القضاء طيعا لإرادته ومنفذا لرغباته ومستجيبا لحساباته على حساب إستقلالية السلطة القضائية المنصوص عليها صراحة في الدستور والتي يجسدها المجلس الأعلى للقضاء”.
وأضاف "أود أن أسألكم عن مبرر صمتكم على ما يحاك وما يدبر وما يحصل وما يمكن أن يحصل من خطر داهم على دولة القانون وعلى قانون الدولة بتقويض السلطة  القضائية ونسف مكتسبات الشعب وحقوق المتقاضين بمفعول الهجمة الشرسة غير المسبوقة على القضاة وعلى استقلالية القضاء. إن خروجكم من الصمت والتحدث بكلمة الصدق فيما يجري هو مسؤولية تاريخية حتى يتبين الرشد من الغي وحتى يعود صاحب السلطة (المطلقة) إلى جادة الصواب والحق. والحق أحق أن يتبع”.


وتساءل المحلل السياسي عبد اللطيف دربالة "لماذا لا ينصّب قيس سعيّد نفسه رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء مثل بن علي، ويعيّن أعضاء تنسيقيّاته قضاة بدل القضاة الرافضين والمضربين؟”.
وأجاب بقوله "لولا بعض الخجل والإحراج.. لطالب قيس سعيّد بتنصيب نفسه رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء. تماما كما كان الحال قبل الثورة في عهد الديكتاتوريّة. حين كان رؤساء الجمهوريّة الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي رؤساء لذلك المجلس!”.
وأضاف "مشكلة قيس سعيّد الحقيقيّة ليست فساد أو عيوب أو قصور القضاء، ولا أخطاء وانحراف القضاة، وهي مشاكل يعاني منها القضاء والقضاة فعلا، ولكنّ مشكلته هي أنّه لا يؤمن ليس فقط باستقلاليّة القضاء، وإنّما لا يؤمن أيضا وأصلا بكون القضاء سلطة! وقد قالها قيس سعيّد صراحة قبل أيّام بلسانه حين أكّد أنّ القضاء ليس سلطة بل وظيفة في الدولة!”.
واعتبر أن "عدم استجابة القضاء في هذه الفترة، وخاصّة منذ 25 جويلية (تموز) لتوجّهات قيس سعيّد، ورفض القضاة عموما، والنيابة العموميّة خصوصا، دخول بيت الطاعة لرئيس الجمهوريّة، والتحوّل لمجرّد وسيلة وأداة بيده يستعملها لتنفيذ برنامجه السياسي وحملة التطهير ضدّ معارضيه ومنافسيه وخصومه السياسيّين، فيفتحون بحثا ضدّ من يريد، ويوقفون ويسجنون من يأمر به حالاّ وفورا بتهمة أو بدونها، بالقانون أو بدون موجب (هذ الأمر) عمّق شعور الرئيس سعيّد بالغضب وبالقهر من القضاء، وأصبح يعتبر نفسه مظلوما وضحيّة لـ”فساد القضاء” الذي يعطّل إصلاحه للدولة وحملته على الفساد والفاسدين بحسب اعتقاده وزعمه”.
وأضاف "إذا قرّر قيس سعيّد أن يخطو اليوم خطوته الموالية بالاستيلاء أيضا على السلطة القضائيّة، فإنّ الأرجح في ظلّ كلّ المؤشّرات والمعلومات والتحليلات بأنّ الأمر لن يكون سهلا ومفتوحا كما كان مع البرلمان والنواب، لاختلاف طبيعة وتنظيم القضاء عن البرلمان واختلاف العمل القضائي عن العمل التشريعي. فالأغلب بأنّ المجلس الأعلى للقضاء وهياكل القضاء والغالبيّة الساحقة من القضاة سيتحرّكون ضدّ ذلك القرار. وسيكون أفضل سلاح بأيديهم هو شلّ مرفق القضاء لرفضهم وضعه تحت السلطة التنفيذيّة، وأداة ذلك هو غالبا تنفيذ إضراب عام مفتوح بجميع المحاكم، كما سبق القيام بذلك عدّة مرّات في الأعوام الماضية، كان آخرها الإضراب الذي دام حوالي الشهرين السنة الماضية وجمّد تقريبا العمل القضائي في البلاد”.