الجمعة 17 أيار 2024

لماذا قررت الرياض دعم باكستان اقتصاديا رغم التوتر بينهما ؟..


النهار الاخبار يه  وكالات

فترات من الشد والجذب عاشتها العلاقات بين الحليفتين السعودية وباكستان خلال السنوات الأخيرة، قبل أن تعود الأمور إلى وضعها السابق وهو التعاون خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى المملكة.

فماذا تغير في الموقف السعودي من باكستان بعدما غسلت يدها من قضية إقليم كشمير، ولم تقف الرياض مع أسلام أباد كما كانت تريد الأخيرة؟، ولماذا عاد الدعم السعودي إلى باكستان مرة أخرى؟.

تكمن الإجابة على هذا السؤال، في التطورات الهامة التي شهدتها المنطقة بعد عودة حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان وانسحاب القوات الأمريكية من هناك، ودفع الرياض لإعادة حساباتها مرة أخرى خوفاً من دخول منافسين إقليميين وهما تركيا وإيران إلى أفغانستان، بحسب تقرير لموقع Firstpost الهندي.

أمر آخر أيضاً قد يكون وراء هذا التقارب وهو الخلاف الدائر بين الصين والهند على إقليم لاداخ الحدودي بين البلدين، ففي الوقت الذي وقفت فيه السعودية على الحياد في القضية إقليم كشمير دعمت فيه بكين باكستان، وربما العلاقات الاقتصادية الكبيرة والمتينة بين الرياض وبكين قد تكون سبباً في إعادة حسابات المملكة مع باكستان مرة أخرى.

زيارة عمران خان إلى الرياض

في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعرب رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، الذي يواجه اضطرابات، عن امتنانه للمملكة العربية السعودية لالتزامها الأخير "بإيداع 3 مليارات دولار وتمويل 1.2 مليار دولار من المنتجات البترولية المكررة خلال العام"، وقال كذلك إنَّ الدولتين تتمتعان بـ"علاقات أخوية طويلة الأمد وتاريخية، التي تجد جذورها في الإيمان والتاريخ المشتركين والدعم المتبادل".

ولي عهد السعودية محمد بن سلمان ورئيس وزراء باكستان عمران خان، أرشيفية/ واس
وأكد خان أنَّ هذه الخطوة "تؤكد من جديد صمود الصداقة بين الدولتين أمام أية ظروف". ومع ذلك، فإنَّ هذا الإسهاب ما هو إلا محاولة لتغطية الحقيقة الأكبر؛ فلطالما عكرت المشكلات صفو العلاقات بين البلدين. لماذا شرعت الرياض في سد الفجوة المتفاقمة في العلاقات الآن؟ من المحتمل أن تفسر أفغانستان هذه الخطوة إلى حد ما، إلا أنَّ علاقات الرياض الاقتصادية المتنامية مع الهند ستقيد حدود العلاقات السعودية الباكستانية.

هل انهارت العلاقات؟

عندما أصبح الوضع الاقتصادي في باكستان أكثر فوضى من أي وقت مضى، تعمّق اعتمادها على المملكة العربية السعودية. وكانت السعودية أكثر من سعيدة بهذا الالتزام: فقد أجّلت مدفوعات القروض لواردات النفط الباك٦ستانية المدعومة، وساعدت في بناء شبكات كبيرة من المدارس الدينية، وخففت آثار العقوبات في أعقاب التجارب النووية الباكستانية عام 1998 مقابل المساعدة العسكرية الباكستانية مع دعم مصالحها الإقليمية. علاوة على ذلك، تُشكِّل تحويلات العمال المهاجرين الباكستانيين في المملكة نحو ربع إجمالي التحويلات الخارجية الباكستانية، بينما تزود المملكة بالموارد البشرية التي تشتد الحاجة إليها.

نظراً للاعتماد المالي المفرط على السعودية، وتوقع الرياض، في المقابل، أن تكون باكستان شريكاً عسكرياً موثوقاً به، انزعجت المملكة عندما رفضت باكستان المساهمة بالسفن والطائرات والقوات في عاصفة الحزم في اليمن من أجل إعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي للسلطة في أبريل/نيسان 2015، بعدما صوَّت البرلمان الباكستاني على البقاء على الحياد. وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة لرئيس الوزراء آنذاك نواز شريف مع المملكة، فإنَّ هذه المعارضة جعلت حكومته غير موثوقة في نظر الرياض. وفي محاولة للتخفيف من انزعاج الرياض، شاركت باكستان في التدريب العسكري "الرعد الشمالي" لعام 2016 مع السعودية وحلفائها، بالإضافة إلى التدريبات المشتركة بين القوات الخاصة في كلا البلدين.
في أغسطس/آب 2018، أصبح عمران خان رئيساً للوزراء. ولفترة وجيزة، كان رئيس الوزراء خان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يتمتعان بعلاقات طيبة. ففور تولي خان منصبه، حصل الجيش الباكستاني على صفقة اقتصادية من الرياض، ودعا ولي العهد شخصياً خان للحضور إلى المملكة لحضور مؤتمر حول الاستثمارات.

واتبعت أبو ظبي، الشريك الأصغر للرياض. في المنطقة، بعرض مشابه. وكما لو أنَّ السعودية تكافئ عميلاً مطيعاً، وصل محمد بن سلمان إلى إسلام آباد في فبراير/شباط 2019 مع حاشية من رجال الأعمال بصفقات تزيد قيمتها على 20 مليار دولار، بما في ذلك معمل تكرير نفط تابع لـ"أرامكو" في مدينة جوادر. وفي مارس/آذار 2019، وبدا أنَّ استعداد باكستان للانضمام إلى تحالف تقوده السعودية ضد إيران قد أزال أي قلق باقٍ بشأن التزام باكستان تجاه المملكة.

هدنة قصيرة 

في أغسطس/آب 2019، أسقطت الهند الوضع الخاص لكشمير. وشعرت باكستان بالغضب والإحراج عندما التزمت السعودية والإمارات الصمت بشأن هذه المسألة. وفي المقابل، أعربت تركيا وماليزيا عن غضبهما تأييداً لباكستان. ودرست الدول الثلاث تشكيل كتلة إسلامية بديلة في ظل الغموض العربي تجاه خطوة الهند الجريئة.

وأعلنت ماليزيا عن عقد قمة في ديسمبر/كانون الأول. وألمح رئيس الوزراء الماليزي إلى أنها ستكون بمثابة كتلة بديلة "لمنظمة التعاون الإسلامي الخاملة التي تهيمن عليها السعودية". لكن في نهاية المطاف، وتحت التهديدات السعودية اللاذعة، انسحبت باكستان من قمة كوالالمبور، التي حضرها خصوم السعودية الإقليميون في هذا التوقيت، وهم قطر وتركيا وإيران 
في الذكرى السنوية الأولى لقرار الهند تجريد كشمير من وضعها الخاص، وبعد تراكم الإحباط من التقاعس السعودي عن الغضب، طالب وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي المملكة العربية السعودية بإظهار ريادتها في هذا الشأن وعقد اجتماع خاص لمنظمة التعاون الإسلامي للنظر في هذه المسألة. وبعد فشل ذلك، هدد قريشي بالتوجه إلى ماليزيا وتركيا وإيران التي انحازت بصوت عالٍ إلى باكستان.

بَيد أنَّ الرياض لم تكن راضية عن هذا. وطالبت باكستان بأن تسدد على الفور مليار دولار، وهو جزء من 3 مليارات دولار أقرضتها لباكستان في نوفمبر/تشرين الثاني 2018. بينما تدخلت الصين لإنقاذ باكستان، إلا أنَّ السؤال ظل قائماً: ما النفوذ الذي تتمتع به باكستان المعتمدة على المساعدات القادمة من هذه الدولة منذ فترة طويلة؟

مكاسب طويلة المدى؟

إذاً ما الذي حدث؟ الإجابة تكمن في الاقتصاد. حقيقة الأمر هي أنه حتى السعودية قد استشرفت الخطر. ففي 2019/ 2020، بلغت قيمة التجارة الثنائية بين الهند والمملكة أكثر من 44 مليار دولار، بينما كانت التجارة مع باكستان هزيلة 3.6 مليار دولار.

وتحت حكم محمد بن سلمان، تهتم السعودية بالنقود وليس الوفاق في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ولتأكيد هذه النقطة، أيَّد محمد بن سلمان سياسات الصين– الشريك التجاري الأكبر للمملكة- في شينجيانغ، التي وصفتها دول أخرى بأنها إبادة جماعية. 
ومع ذلك، استُبعِدَت السعودية من أهم التطورات في المنطقة: انتصار طالبان في أفغانستان، بسبب الدعم العسكري والدبلوماسي والسياسي غير المحدود لباكستان. ومنذ ذلك الحين، شكَّلت الدوحة والصين- إلى جانب باكستان وتركيا والولايات المتحدة- الأحداث في أفغانستان دون أي دور جوهري للمملكة. 

تريد المملكة العربية السعودية إعادة تأكيد مكانتها في المنطقة بعدما طغى عليها منافسوها الإقليميون لعدة سنوات. وفي حين أنَّه ليس لديها مصلحة في الحد من العلاقات مع الهند بأمر من باكستان، إلا أنها تريد تقويض إغراء عودة باكستان لتعزيز العلاقات مع إيران. ولا يمكن للشراكة الباكستانية مع بكين، القائمة بالكامل تقريباً على القروض، أن تحل محل ثقل المملكة في العالم الإسلامي حتى لو كان بإمكانها التأثير عليها بجاذبية اقتصادها. وربما لم تحصل باكستان على دعم السعودية بشأن كشمير، لكنها سعيدة بصرف شيكات الرياض. وهذا يكفي لكليهما.