الأربعاء 1 أيار 2024

“فضائيون” بمئات الآلاف في العراق..

النهار الاخبارية - وكالات 

تزداد أعداد ما يطلق عليهم "الفضائيون في العراق"، وذلك منذ الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003، وأكثرهم في الأجهزة الأمنية ويستنزفون خزينة الدولة، دون معالجات حكومية لهذا الأمر.

تسمية "الفضائيين" دارجة محلياً في العراق، ويقصد بها فئتان، الأولى البطالة المقنعة في مؤسسات الدولة، وهم الأشخاص الذين يتسلمون رواتب من مؤسسات رسمية عدة، لكنهم لا يحضرون الدوام الرسمي ولا يقومون بواجباتهم، والثانية لأشخاص لا وجود لهم على أرض الواقع، وإنما عبارة عن أسماء وهمية ثُبّتت في سجلات صرف المستحقات الشهرية.

تزايدت أعداد البطالة المقنعة في العراق بعد عام 2003، لا سيما في عهد رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، الذي تولى رئاسة الحكومة لولايتين متتاليتين من عام 2006 وحتى 2014.

شهدت فترة المالكي بحسب تقارير حكومية، رفعاً لأعداد الموظفين في جميع مؤسسات الدولة بشكل كبير، الأمر الذي انتقده رؤساء حكومات لاحقة، متهمين المالكي بالمسؤولية عن ارتفاع عدد "الفضائيين".

"ربع مليون فضائي!"
كشف نائب الرئيس العراقي السابق إياد علاوي، خلال مقابلة تلفزيونية في 3 ديسمبر/كانون الأول 2014، عن أن أعداد "الفضائيين" أكبر مما هو معلن في الأجهزة الأمنية العراقية، إذ "يصل إلى ربع مليون"، وليس 50 ألفاً كما أعلن رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.

في آخر أرقام رسمية عن أعداد "الفضائيين"، أفاد وزير المالية العراقي السابق، علي علاوي، خلال تصريحات لصحيفة "فايننشيال تايمز" في 20 يوليو/تموز 2020، بوجود نحو 300 ألف موظف "فضائي" في العراق.

طالب علاوي في وقتها بضرورة "متابعة ملفات الفساد بعد تلك التغييرات في الأجهزة الأمنية"، مؤكداً أهمية "التحقيق الواضح بشأن الفضائيون في العراق، لا سيما بعد الانهيارات الأمنية التي حدثت أمام زمرة إرهابية عددها بسيط".

الحادثة التي قصدها علاوي، هي ما حدث في 14 يونيو/حزيران 2014، حين اجتاح تنظيم الدولة مدينة الموصل العراقية التي كان يوجد بها نحو 4 فرق عسكرية بمختلف التشكيلات (جيش، شرطة اتحادية، شرطة محلية)، حيث أدى ذلك إلى انهيار الجيش العراقي وتقدم التنظيم وسيطرته على ثلث مساحة العراق.

أعاد كثيرون وقتها هذه الهزيمة الصادمة، إلى أن الأعداد الحقيقية داخل المعسكرات كانت أقل بكثير مما هو مسجَّل، بسبب أن الكثير من المنتسبين داخل الجيش وقوات الأمن من "الفضائيين"، ولا وجود لهم داخل المعسكرات، الأمر الذي ساهم بسهولة سيطرة تنظيم الدولة عليها.

أكثرهم في الأجهزة الأمنية
الإفصاح عن وجود بطالة مقنعة أو "الفضائيون في العراق" في الأجهزة الأمنية كان في عهد رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، وذلك خلال كلمة له عند استضافته في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 تحت قبة البرلمان، لبحث مواجهة الأزمة المالية بالبلاد في تلك المرحلة التي كانت تواجه فيها حرباً ضد تنظيم الدولة.

كشف العبادي في وقتها عن وجود 50 ألف "فضائي" ضمن 4 فرق عسكرية، من بين نحو 17 فرقة عسكرية وبـ3 قيادات برية وجوية وبحرية يتكون منها الجيش العراقي الحالي، الذي تأسس بعد عام 2003، وهذا خلال شهر واحد من حملة أطلقها رئيس الحكومة في حينها.

في الوزارات الأمنية، يطلق مصطلح "الفضائيون في العراق" على الأفراد المتخلفين عن الدوام الرسمي في الجيش العراقي، مقابل منح نصف المرتب أو ثلاثة أرباعه إلى ضباطهم المسؤولين عنهم.

يقوم الضباط بالاتفاق مع جنود للحصول على نصف مرتباتهم ومنحهم النصف الآخر مقابل إعفائه من الالتزام بالواجبات العسكرية اليومية أو الدوام الرسمي اليومي.

لكن المالكي نفى، خلال تصريح له في 8 ديسمبر/كانون الأول 2014، وجود هذه الأعداد، ووصفها بأنها "غير صحيحة مطلقاً"، مقرّاً في الوقت ذاته بوجود هذه الظاهرة في وزارة الداخلية.

واعترف المالكي في تصريحات علنية، بأنه "توجد بطالة مقنعة غالباً في حمايات وأفواج المسؤولين والمحافظات، وتتم ملاحقتها أيضاً، ولا يزال هناك عدد كبير منهم".

"فضائيون" في الحشد الشعبي
أما في الحشد الشعبي، فإن الأمر لا يختلف كثيراً عن باقي الأجهزة الأمنية، إذ إن الكشف عن أعداد المقاتلين الوهميين في هذه القوات التي تأسست بفتوى من المرجع الشيعي علي السيستاني عام 2014، أودت بحياة مدير المالية في "هيئة الحشد".

في عام 2018، لقي مدير المديرية المالية في هيئة الحشد، قاسم الزبيدي عام 2018، على يد مجهولين في منزله ببغداد بعد بدئه تحقيقاً بأمر رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في موضوع رواتب المقاتلين الوهميين.

قال العبادي حينها، إن الزبيدي كان قد اتصل به قبل حادث الاغتيال ويزوده بمعلومات تشير إلى وجود مقاتلين وهميين، وأخبره بوجود فساد في توزيع الأموال واستيلاء بعض القيادات عليها، وأن هذا الملف بحاجة إلى تدقيق قبل أن يطلق أي زيادة في الرواتب.

في عام 2019، صرّح العبادي خلال مقابلة تلفزيونية، بأن "مفتش عام هيئة الحشد الشعبي صارحني بوجود 60 ألف مقاتل على الأرض و150 ألفاً على الورق، لكن تجار الحروب المتغولين استغلوا هذا التشكيل لتحقيق مصالحهم، وإلا ما هو المبرر في زيادة أعداد الحشد في وقت السلم؟".

استنزاف لأموال العراق
في حسبة أولية للأموال التي تتكبدها الموازنة المالية السنوية للعراق على البطالة المقنعة، فإن مرتبات 50 ألفاً فقط من "الفضائيين" تصل إلى 420 مليون دولار سنوياً بواقع 700 دولار شهرياً كحد أدنى.

بحسب خبير اقتصادي عراقي تحدث لـ"عربي بوست" طالباً عدم ذكر اسمه، فإذا جرى إضافة تخصيصات طعام لهم بمعدل 3 وجبات تكلف الدولة (مع نسبة الفساد فيها) ما لا يقل عن 150 دولاراً شهرياً للفرد، فهذا يعني 90 مليون دولار سنوياً، أي نحو مليار دولار، وإذا ضرب في 4 سنوات هي مدة ولاية واحدة لحكومة المالكي، فالرقم يصل إلى قرابة 2.5 مليار دولار.

العراق الذي تجاوز تعداد سكانه 43 مليون نسمة في بداية عام 2023، شهد بعد الاحتلال الأمريكي وإسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، قفزات كبيرة في أعداد العاملين بالقطاع العام.

بعدما كان عددهم أقل من مليون قبل عام 2003، يصل عدد الموظفين العراقيين في المؤسسات الحكومية إلى 7 ملايين موظف حتى عام 2022، بحسب تصريح أدلى به وزير المالية السابق، علي علاوي، لوكالة الأنباء العراقية "واع" في يونيو من العام ذاته.

يحصل نحو 7 ملايين موظف في العراق، على 6 تريليونات دينار، أي ما يعادل (5 مليارات دولار) شهرياً، بحسب تصريحات وزير المالية العراقي السابق علي علاوي.

معالجات حكومية معطّلة
في حديث لـ"عربي بوست"، قال عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي، النائب هادي السلامي، إن هناك تلكؤ في معالجة ملف البطالة المقنعة، نتيجة التقصير والإهمال في موضوع إكمال الحكومة الإلكترونية والأرشفة الإلكترونية، الذي جرى التوجيه به منذ عام 2009، وبقي حبراً على ورق.

السلامي أكد أن عدم تنفيذ التعليمات والقرارات الحكومية هو بحد ذاته مخالفة يحاسب عليها القانون العراقي، بالتالي لا شك أن ثمة متنفذين مستفيدين يقفون وراء تعطيل مثل هذه الإجراءات التي تساعد على التحول الرقمي، وتخلص مؤسسات الدولة من البطالة المقنعة والفساد المالي والإداري، وفق قوله.

بسبب تخمة المؤسسات الحكومية بالموظفين، فإن "إنتاجية الموظف العراقي لا تزيد على 10 دقائق في كل مؤسسات الدولة، وحتى دمج الوزارات لا يحل المشكلة؛ لأنها ليست العقدة الأساسية"، بحسب عضو اللجنة المالية في برلمان العراق، جمال كوجر في 8 مارس/آذار 2023. 

بخصوص استمرار أزمة البطالة المقنعة في الدولة العراقية، عزا عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي، النائب هادي السلامي، أسباب ذلك إلى "التخلف الإداري الذي تعيشه مؤسسات الدولة، وعدم انتقالها إلى الحكومة الإلكترونية، والتحول التقني في أرشفة المعلومات".

لفت السلامي إلى وجود إجراءات جيدة جداً من الادعاء العام في العراق والمحاكم المختصة، وهيئة النزاهة (حكومية) في محاسبة الموظفين الذين تعمدوا عدم إكمال التحول الرقمي وأتمتة البيانات، للقضاء على الفضائيين.

بحسب البرلماني العراقي، فإنه لا توجد أرقام حقيقية عن أعداد الفضائيين في مؤسسات الدولة، لكنه قال: "نحن نرصد مثل هذه الحالات، وهناك تقارير لدى هيئة الرقابة المالية تشير إلى وجود مخالفات وتقصير وإهمال في معالجة هذا الملف".

وأكد السلامي أنه بين مدة وأخرى تكشف هيئة النزاهة عن أسماء أشخاص يتقاضون رواتب مزدوجة من شبكة الرعاية الاجتماعية ومن مؤسسات أخرى تابعة لوزارة في الدولة، وهذا يجري بالتعاون مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.

في 3 يونيو/حزيران 2023،  كشف أحمد خلف، رئيس هيئة الحماية الاجتماعية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية، عن وجود 175 ألف متجاوز على رواتب شبكة الرعاية الاجتماعية (من لا يمتلك دخلاً شهرياً)، أغلبهم موظفون حكوميون وضباط ومنتسبون في السلك العسكري.

يأتي ذلك في حين كان آخر إحصاء حكومي عراقي، قد كشف أنّ 9 ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر، فيما يستفيد نحو 3 ملايين عراقي فقط من المعونات المادية التي تقدّمها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.

منذ مطلع عام 2023، بدأت وزارة العمل حملة لتقاطع بيانات المستفيدين مع مؤسسات الدولة المختلفة ومع المؤسسات غير الحكومية والقطاع الخاص، لإخراج غير المستحقين من شبكات الحماية الاجتماعية.

نقلت القناة العراقية الرسمية عن خلف، قوله، إنه "منذ بداية العام 2023 حتى الآن جرى كشف 175 ألف متجاوز على رواتب شبكة الحماية الاجتماعية"، مبيّناً أنّ "هناك دفعات أخرى من المتجاوزين نعمل على كشفها قريباً واستعادة الأموال من المخالفين".

وأكد خلف أنّ "المتجاوزين هم موظفون حكوميون في بغداد والمحافظات الأخرى، وبعض هؤلاء موظفون برواتب عالية"، كاشفاً أنه "جرت استعادة 21 مليار دينار منهم (16 مليون دولار)، وما زال في ذمتهم للدولة أكثر من 200 مليار دينار (153 مليون دولار)، يجري تقسيطها عليهم لمدة 10 سنوات بحسب القانون".

وأشار أيضاً إلى أن "عملية التدقيق مستمرة، ونجري عملية فلترة للسجلات لكشف المتجاوزين، وتحتاج إلى جهد كبير لفرز المستحقين من غيرهم"، مؤكداً أن "من بين المتجاوزين 1200 منتسب من وزارة الدفاع، بينهم ضباط بعضهم برتب عالية، وقد اتخذت الإجراءات الخاصة للاسترداد بحقهم".

الفضائيون في العراق ومحاولة إنهاء المشكلة
في محاولة لإنهاء مشكلة "الفضائيين" في العراق، والتي تكلّف موازنة الدولة رواتب شهرية بمليارات الدنانير، تجري وزارة التخطيط مسحاً شاملاً على موظفي الدولة، إضافة إلى منحهم أرقاماً وظيفية وفق قاعدة بيانات إلكترونية، مؤكدة قرب إنجاز المشروع وإكمال نتائجه.

وأكدت وزارة التخطيط العراقية سعيها لإنهاء الملف، وشكّلت لجاناً تنفيذية لإعداد قاعدة بيانات للموظفين، وتعمل منذ عام 2021 على منح رقم وظيفي لكل موظف، وهو عبارة عن كود، وبمجرد الدخول إليه تكون كل تفاصيل الموظف مدونة، من لحظة دخوله الوظيفة إلى أن يُحال إلى التقاعد.

ووفقاً للمتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي، فإن "العمل في منصة الرقم الوظيفي ما زال مستمراً، وأن عدد الأرقام الوظيفية التي مُنحت إلى الآن تجاوزت الـ3 ملايين و300 ألف رقم لعموم الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات، ضمن المرحلة الأولى للمنصة".

وأكد الهنداوي في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع)، في 12 فبراير/شباط 2023، أن "الموظفين الذين عُيّنوا حديثاً، سيتم إدخال بياناتهم ومنحهم أرقاماً وظيفية، في المراحل المقبلة من عمل المنصة"، موضحاً أن "ما تبقى من العمل على المنصة هي تشكيلات قليلة، وهناك إجراءات وعمل مستمر من وزارة التخطيط على استكمالها".